تذكرني ثلجة هذه الايام بواحدة أخرى أوائل السبعينات من القرن الماضي, كنت ليلتها مكلفاً بقراءة نشرتي أخبار التاسعة والحادية عشره.. وكان الثلج ينهمر غزيراً حين اتصل بي هاتفياً المرحوم عصمت النشاشيبي مدير التنسيق, وطلب إلي عدم مغادرة الاذاعة خشية أن لايتمكن المناوب الصباحي من الوصول, ولست أدري لماذا رفضت مع أنه كان واضحاً أنني لن أتمكن من العودة إلى منزلي بعد أن أغلقت الثلوج الطريق وانقطعت منطقة أم الحيران عن الوحدات, واتصل بي ذلك المساء الاستاذ مروان دودين مدير الاذاعة وأمرني بالبقاء, لكنني ركبت رأسي معلناً رفضي فأغلق الهاتف وهو يتوعدني بعقوبة لم أحلم بمثلها, وبعدها اتصل بي الصديق ضياء سالم ليبلغني أن مكلف بالحضور الى الاذاعة, كان ضياء يسكن جبل التاج ويمتلك سيارة فولكس فاجن فاخبرته أنني سأنتظر وصوله, واستغرقته الطريق التي اعتاد قطعها بربع ساعة حوالي الثلاث ساعات, وعند وصوله أيقنت انني لن أتمكن من التحرك بسيارتي رينو 10 متراً واحداً وقضينا ليلتنا أنا وضياء في غرفة البرامج الزراعية التي كان يداوم فيها المرحوم مازن القبج ووحيد السمير ونظميه الربضي, وعند الخامسة والنصف صباحاً كنا أنا وضياء نفتتح الاذاعة ونسير الفترة الاذاعية ونقرأ الاخبار ونعد ونقدم البرامج, والسبب أن أحداً من الموظفين لم يتمكن من الوصول إلى مبنى الاذاعة الذي كان يسبح في بحر من اللون الابيض.
قريباً من ظهر ذلك اليوم استعان أحمد حجازي الذي كان يومها في قسم الرصد التابع لدائرة الاخبار بسيارة عسكرية من حرس الاذاعة غادر بها الى الوحدات ليعود الينا بما نقتات به, واذكر أنه حين وصل الاستعلامات, وكان يضع ما اشتراه في علب من الكرتون انفتحت إحداها بسبب ما لحقها من ماء في اللاندروفر العسكرية وسقطت متحطمة زجاجة كونياك لاادري لمن احضرها احمد, وانتبه الحرس متسائلين لكنه اخبرهم أنها زجاجة سبيرتو احضرها لماكنة الطباعة فصدقوه أو تظاهروا بذلك, وقضينا أنا وضياء ذلك اليوم نتناوب على مختلف أشكال العمل الاذاعي, وقد وصل الينا المرحوم النشاشيبي في سيارة عسكرية, لكن أحداً من المذيعين لم يصل, وبتنا ليلتنا الثانية على موكيت غرفة البرامج الزراعية, وكان يتابعنا دقيقة بدقيقة الاستاذ مروان دودين ومساعده الاداري الاستاذ فاروق الزعبي وعند الواحدة ظهراً تمكن زميلنا منير جدعون من الوصول لنجدتنا, مستغلاً قرب منزله الذي كان في الاشرفية وفور وصوله تبرع بقراءة نشرة أخبار الثانية ظهراً وتنفسنا ضياء وأنا الصعداء, لكننا شعرنا باحباط هائل حين وصل وزير الاعلام معن أبو نوار ومر بقربنا متجاهلاً ومن خلال زجاج الاستديو رفع يديه الاثنتين محيياً زميلنا منير, وعندها فقط قررنا المغادرة مع أن معظم شوارع عمان كان مايزال مغلقاً, ولم نكن نعرف إلى أين نتوجه.
قادنا حنقنا على تصرف الوزير الى منزل الاستاذ فاروق الزعبي وكانت لنا دالة عليه , فشقيقته متزوجة من صديق حميم لضياء هو منذر القاسم, وأعمامه كانوا على علاقة مودة مع والدي الذي خدم في الرمثا قائم مقام, في حين كان عم فاروق رئيساً للبلدية, وهناك وبكل عنفوان الشباب أفرغنا غضبنابينما الرجل يطيب خاطرنا ويقنعنا أن تصرف الوزير طبيعي كون منير كان قارئ نشرة في التلفزيون وهو لذلك وجه مألوف للوزير الذي لايعرفنا شخصياً, وقد أبلغنا بمدى غضب المدير العام علي أنا شخصياً وطلب منا زيارته في منزله بجبل اللويبده وقال إنه سيهاتفه قبل وصولنا, كان رأسي قد برد وأدركت أن تصرفي كان غلطاً يستحق الاعتذار من رجل كنت وما زلت وسأظل احترمه, وحين وصلنا أدخلتنا أختنا أم صخر إليه في غرفة نومه, فقد كان طريح الفراش من التهاب رئوي حاد, وقبل أن أعتذر بادرني بالسؤال عن كيف قضينا ليلتين في الاذاعة وماذا يجب أن نفعل لتلافي مثل هذا الموقف مستقبلاً, وبعد وقت قصير غادرنا مزودين بزجاجة ويسكي فاخرة هدية من أبو صخر .. ومن اللويبده إلى مديرية الدفاع المدني لنحصل منها على تنكة بنزين بهدف الوصول إلى الاذاعة كما أوهمناهم, ولنتسكع بها في شوارع عمان الخالية من المارة والسيارات كما هو فعلاً.