وحده جلالة الملك عبدالله الثاني، يسبق الجميع بمقاربات تنظر لمستقبل ما بعد كورونا، حتى قبل أن نغادر مربع الأزمة.
بينما كنا جميعا، مؤسسات وأفرادا ننخرط في جدال لا ينتهي حول فيروس كورونا، والحالة الوبائية في الأردن، كان الملك يبحث عن الفرص المتاحة لتطوير قدراتنا الاقتصادية في المرحلة المقبلة، واستثمار الجائحة لإحداث تحولات جوهرية في بنية الاقتصاد الوطني لمواكبة الفرص المستقبلية.
مبكرا أشار الملك للمسؤولين في الدولة على الصناعات الأردنية التي تحظى بفرص استثنائية للمنافسة في السوق العالمي كصناعة الأدوية والأغذية والمعقّمات، ووجه المعنيين لمنحها حق استئناف العمل والتصدير، وكان لهذا التوجيه أثر اقتصادي كبير على هذه الصناعات والعاملين فيها، وعلى خزينة الدولة.
ولم يكن تفكير الملك بهذه المسألة تكتيكيا لقنص فرصة عابرة فقط، بل ضمن رؤية إستراتيجية سارع إلى تطويرها وسط انهماكنا بتفاصيل أزمة كورونا.
عمليا أطلق الملك مشروعا وطنيا جديدة ورؤية متكاملة لما ينبغي أن تكون عليه دولة الإنتاج في المستقبل. رؤية تمنح قطاعي الصناعة والزراعة أولوية باعتبارهما عماد الاقتصاد الوطني المستقل وعنوان الاعتماد على الذات.
ثمة اختراق كبير في قطاع الزراعة يظهر الملك تصميما أكيدا على إنجازه، ينسجم تماما مع تصورات قائمة منذ زمن لدى قطاع واسع من الأردنيين الطامحين بإعادة الاعتبار للزراعة، بعد عقود من سياسات التهميش والإهمال.
الملك وجه الحكومة للشروع فورا في حصر الأراضي القابلة للزراعة، ووضع خطة متكاملة لاستغلالها بما يساهم في تحقيق الاكتفاء الوطني، وتطوير صناعات غذائية منافسة في الأسواق العالمية وتغطي حاجة السوق الأردني.
على نطاق عالمي واسع أدرك صناع القرار، بعد أزمة الغذاء والدواء التي رافقت الجائحة، الحاجة لدعم الصناعة والزراعة لتأمين المخزون الإستراتيجي لشعوبهم، على إثر تعطل سلاسل التزود العالمي جراء تعطل خطوط النقل البحري والجوي.
التقط الملك الإشارات التحذيرية مبكرا، واشتغل بيديه على صياغة إستراتيجية لتأمين المخزون الوطني من السلع الأساسية، وتطوير قدرات القطاعات المعنية لتعويض خسائر الأزمة في قطاعات أخرى، والتأسيس لبنية صناعية وزراعية على المدى الطويل.
الدور الآن على الحكومة، إذ يتعين عليها أن تأخذ توجيهات الملك بخصوص القطاع الزراعي على محمل الجد.
يقول مسؤول مختص في وزارة الزراعة لصحيفة “الغد” أن 18 % من الأراضي الأردنية صالحة للزراعة، لكن المستغل منها لا يزيد على 5 % فقط. هناك فرصة خلال السنوات القليلة المقبل لمضاعفة النسبة.
الملك طلب حصر هذه الأراضي، وهذه مهمة ليست سهلة تتطلب تشكيل لجان من القطاعين العام والخاص في جميع المحافظات للعمل في الميدان، لتجهيز خرائط مفصلة للمناطق القابلة للزراعة، والبحث في سبل توفير المصادر المائية، وتحديد نوعية الزراعات الملائمة لكل منطقة، وتفعيل قانون استغلال الأراضي الزراعية.
لدى المزارعين الأردنيين خبرات ممتازة وتجارب غنية ومنهم أصحاب ريادة في الزراعة والتسويق والتصدير، ينبغي حشد طاقاتهم في إطار مشروع وطني لا يهمل صغار المزارعين بل يمنحهم الأفضلية، لأن الهدف الأخذ بيد الفئات الفقيرة والضعيفة وتحفيزها على العمل في قطاع الزراعة الذي بات مصيره مرهونا بالعمالة الوافدة.
لا يعقل أن بلدا يعد من أكبر المنتجين للبندورة لا يحوز على مصنع واحد للتعليب، بينما صادراتنا من هذه السلعة تعود إلينا معلبة من الخارج بأسعار باهظة.
الغد