جون فلويد "العاجز عن التنفس" من الضحية ؟
د. أيمن سلامة
02-06-2020 10:02 PM
"لا أستطيع التنفس " عبارة صارخة استفزت جموع البشرية قاطبة ، وهزت أرجاء المعمورة بقدها وقديدها ، أطلقها الأمريكي ذو البشرة السوداء "جون فلويد " ، فعمت العالم بأسره ، وبسرعة أسرع من البرق و الطرف و السهم ، تلكم العبارة أماطت اللثام وبكل وجاهة ،وشفافية ، عن فشل بني الإنسان أن "يتعارف "مع صنوه الآخر دون تمييز بسبب اللون، أو العرق ،أو الجنس ،أو العقيدة ، أو المعتقد، أو أية انتماءات دنيوية أخري .
جريمة الشرطي الأبيض، ديريك شوفين، الذي خنق الأميركي الأسود، "جورج فلويد"، هي جريمة الجرم المشهود ، حيث لم تقع الجريمة في مخافر الشرطة ، أو غرف التحقيقات ، لكنها وقعت جهارا نهارا ،وفي جادة الطريق ، وتابعها العالم لحظة وقوعها في الحال ، وكشفت الجريمة عن أمراض خطيرة لا تزال متجذرة في صفوف شريحة ليست ضيقة من الأمريكيين ، وتأتي العنصرية الكريهة المقيتة في صدارة الأمراض العضال ، التي ما فتئت الأقلية الأمريكية ذات الأصول الإفريقية تعاني من شرورها .
في أتون الحراك الأمريكي حامي الوسيط ، والذي عبرت تداعياته و أعراضه المحيطات و البحار و الأجواء ، يلزم سبر غور حقيقة قانونية وواقعية مهمة في الوقت عينه ، وهي : ( من الضحية في ارتكاب هذه الجريمة النكراء ؟ ) ، وجلي أننا نتعرض للمفهوم الاصطلاحي و ليس اللغوي للمصطلح ، الذي تناولته الشرائع القديمة ، فضلا عن الشريعة الإسلامية الغراء ، بيد أننا سنقصر طرحنا علي المفهوم في الفقه القانوني ، و التشريعات الوطنية .
اعتاد فقه القانون الجنائي الدولي علي إيراد مفردة الضحايا عوضا عن المجني عليهم للإشارة إلي ضحايا الجريمة ، فضلا عن المجني عليهم ، بالإضافة إلي الذين يتضررون عن إصابة عائلاتهم أو أقاربهم ، وهنا فالمعني يتسع ليشمل المجتمع الأمريكي ، بوصفه مجنيا عليه ، جراء الجريمة النكراء كما في حالة ، الأمريكي "جون فلويد " .
لاريب أن وفق الفقه المتقدم لمفهوم الضحية ، تصير حالة المجني عليهم و المضرورين في صف واحد ،وهي فكرة جديدة تجعل كل المضرورين من الجريمة مجنيا عليهم ، وكل المجني عليهم مضرورين منها أيضا ، وهنا لا يجب التمييز بين المجتمع في الدعوي الجنائية ، وذلك بالرغم من أن الضحية قد لا يكون مجنيا عليه كما في حالة القتل .
لا جرم أن معظم التشريعات الجنائية الحالية توسعت في مفهوم المجني عليه ، ليشمل تعويض أشخاص تضرروا من وقوع الجريمة كالمعالين ، علي أساس أن المعالين جديرون بالتعويض بسبب ما لحقهم من أضرار ، وفي ذات السياق ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلي المفهوم بشكل واسع ، حين قررت بأنه : " من أضرت به الجريمة سواء كان مجنيا عليه أو غيره وكان الجاني ملزما بتعويضه عن الضرر ، وهنا فمفهوم الضحية اعم وأشمل من مفهوم المجني عليه
لا مرية أن الجريمة النكراء التي هذت ضمير البشرية ، وبالرغم من فرديتها ، لكن في مثل هذا النوع من الجرائم التي تستحوذ علي استهجان الأمة ،و الرفض الفوري الشعبي لها ، لا يقتصر جبرها علي مجرد محاكمة الشخص الفاعل أو الأشخاص المساهمين في ارتكابها .
جلي أن فظاعة الجريمة التي استحوذت علي قلق العالم من الممارسات الهمجية التي ضارت منهجية من الشرطة الأمريكية تجاه الأمريكيين – الأفارقة ، تستلزم فضلا عن التعويض المالي لضحايا الجريمة ، أن يعتذر الرئيس الأمريكي رأس السلطة التنفيذية عن الحادث للشعب الأمريكي ، و أن يتعهد للشعب الامريكي بعدم تكرار مثل هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المستقبل ، والا يفلت من العقاب أي متهم في مثل هذه الجرائم .