غياب العقلانية لمصلحة من ؟
د. محمد القضاة
06-02-2010 03:44 AM
تتجاذب عصرنا قضايا خلافية كثيرة، وملفات ساخنة لا تعد ولا تحصى، وأفكار متضاربة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وآراء متباينة غرائبية وعجائبية، وموضوعية وعقلانية، ومنها الجنوني والخرافي، ومعظم ما نراه يؤشر على صور تحتاج إلى رويّة حقيقية في تفاصيل هذا المشهد الذي تتقاذفه ممارسات سلبية تؤدي إلى نتائج وخيمة على الفرد والمجتمع والناس، وكثيرون لا ينظرون إلى مجمل المشهد ألا من خلال نظرة ضيقة لا تتجاوز مصالحهم ومنافعهم، ويعتقدون أن الناس يوافقونهم على تصرفاتهم وأطروحاتهم، وهو ما يتقاطع مع رغبة الناس الجامحة في العدالة والموضوعية والعقلانية التي يجب أن تحكم الأطراف كلها، حتى يشعر الجميع أن لا أحد فوق أحد، ومن هنا ألا نحتاج إلى العقلانية في أطروحاتنا وأفكارنا وقراراتنا ومسؤولياتنا؟
لماذا يغيب عصر العقلانية - الذي عُدّ عصر التنوير - من خططنا وملاحظاتنا وحواراتنا؛ ولماذا يعتقد أصحاب الأفكار المتهافتة أنّ أفكارهم هي الصائبة والقابلة للحياة، في وقت تعلن فيه منجزاتهم عن فشل يتلوه أخر، وتعالوا ننظر إلى الكم الهائل من هؤلاء في محيطنا ممن يملئون الدنيا زعيقا وشعارات، وهم يعرفون حقيقة أنفسهم أنهم فاشلون وغير قادرين على استخدام عقولهم ولو لمرة واحدة لكي يكتشفوا نواقصهم وضعفهم، وأين هم من غيرهم! وفي الأساس خلق الله سبحانه وتعالى العقل للإنسان ووضعه في أعلى المراتب وطالبه باستخدامه؛ إذ من خلاله يعرف الحسن من القبيح، والصحيح من عدمه، واستخدامه ضرورة لفهم المجتمع وحل مشكلاته، وإجازته هلاك للإنسان أنى كان،والدول المتقدمة تعده القائد والملهم والمبدع وأساس النجاح والفشل.
وتساؤلات تطرح في أروقة الجامعات ومؤسسات المجتمع وفي مواقع كثيرة؛ في المؤسسات الخدمية والاعلامية والثقافية والصحية والتعليمية وفي الندوات وورشات العمل وكلها تؤشر على غياب العقلانية من حياتنا،وهي أسئلة تؤشر على خلل يتعاظم في حياتنا ويسجل نسبا غير معقولة في عالم اللاوعي والجريمة والفوضى، وأولها لماذا استطاع الإنسان في الماضي أن يبتكر ويبدع وينجز ويتحدى الصعاب على الرغم من شح إمكاناته؟ واليوم أصبح عيّالا على غيره، لماذا كان يحرك دماغه ويوقظ خلاياه ويقنع من حوله بوجوده، ولماذا وصل بالخبرة والتجربة إلى الحكمة التي قللت الضرر والاحتقان والبواعث السيئة في حياته، ولماذا أصبحنا في المعادلة الدولية فاقدين لأية قيمة حقيقية أو أي معنى ايجابي؟ ألأننا لا نعترف بسلطة العقل، أم لأن عقولنافي سبات وغفلة من أمرنا منذ سلّمنا لكي نسلم باأنفسنا؟ المشاهد كثيرة على المستويين الفردي والجمعي؛ الفردي انقلاب مفاهيم العقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وبالعكس ، وكم من مفكر ومثقف غيّر جلده وأفكاره مرات ومرات؛ وكأن تلك لأفكار ليست أفكاره، وتراه مرة وطنيّاً حتى الثمالة، ومرة قوميا حتى أخمص قدميه، ومرة يساريا أو إسلاميا حتى عظمه، وبالنتيجة لا يهمه سوى مكاسبه، والمؤسف أنّ هؤلاء يتكاثرون كالجراد ويكافئون وتحترم أفكارهم؛ وكأنها مُنزلة ولا تخر الأرض، ومجتمعنا يغص بمثل هؤلاء وتجد حولهم من يصفق لهم ويبرر إبداعاتهم!والؤسف أكثر أن هؤلاء يجرون المجتمع الى مهاوي الردى والى زرع الفتن والى تأزيم علاقات الناس مع بعضهم بعضا، وحين يكافئون تجدهم تائهون ويتخبطون لانهم وصلوا بدجلهم وكذبهم الى مواقع لا يستحقونها، ولذلك لا ينبغي على المكافئين أن يعتقدوا أنهم حققوا العدالة في المجتمع ،وانما زادوا الطين بلة، وتركوا للتقولات والتساؤلات والشائعات لكي تأخذ نصيبها في زعزعة وجدان الناس ونظرتهم الموضوعية الى مثل هؤلاء الذين يجب أن يذهبوا نسيا منسيا؛ لأنهم هم أول من وقفوا ضد الوطن وناسه حين كانت المحن تطحن به،ولا أدري أين يذهب العقل حين يتم اعادة هؤلاء الى الحياةوفي المجتمع الاردني خاصة اعداد من المؤهلين والشرفاء يغطون عين الشمس وفي كل بقاع وطننا الحبيب، والجمعي منذ ضياع الأندلس حتى احتلال العراق والحرب على الإرهاب، والنتيجة الضياع والخراب واللعنة تطارد هذه الأمة أمام العالم، ومتى تفوق الأمة من سباتها وتعود إلى عقلها ورشدها ؟ ومتى تتخلص المجتمعات من حملةأنصاف العقول وأفكارهم المريضة، نعم نحتاج إلى الحكمة والعقلانية في حياتنا وأفكارنا وإعلامنا وقراراتنا ومسؤولياتنا وعلاقاتنا لكي يشعر الجميع أنهم في سوية واحدة،فها ندرك أن العالم يتقدم وأمتنا على حالها منذ أمد بعيد!نعم نحتاج الى الحكمة والعدالة والموضوعية والعقلانية في كل تفاصيل حياتنا.
mohamadq2002@yahoo.com