المشهد رقم (1): شرطتهم:
هناك في بلادهم، بلاد الحضارة والتكنولوجيا وناطحات السحاب، في ولاية مينيسوتا... ضابط الشرطة في مينابوليس يطرح الرجل (الأسود) أرضا، ويضع قدمه على العنق منه... نسمع الصراخ في الفيديو... نُصدم نألم نشعر بالغثيان، تتصاعد أنفاسنا حَرّة تحرق ما تبقى من انفصام التحضر في المشهد البشع، «أرجوك... أرجوك... لا أستطيع أن أتنفس... أررر...جو... ك... أر... أر... أ... أ.....». المارة يُذهلون، يصرخون، يتوسلون، ولا حياة لمن تنادي، ويبدأ الرجل الملوّن بسواد البؤس والشقاء وقهر الحياة بفقدان الوعي، ويموت الأربعيني جورج فلويد كما تموت حشرة تُسحق تحت قدم ملوّثة. لكن الشارع الأميركي... ضمير الشعب يستيقظ ويأبى هذه البشاعة اللاإنسانية... يحتج، يثور، يصرخ، يرفض، وتتدخل الشرطة مرة أخرى لتفريق المتظاهرين بالغازات المسيلة للدموع. وترضخ الشرطة للواقع ويُفصل أربعة ضباط. لكنّ جرح الروح لمن شاهد الفيديو من شتى بقاع الأرض أنّى له أن يُشفى.
المشهد رقم (2): شرطتنا:
هنا، في الأردن، من عبق أنفاس عبد الله بن رواحة، وجعفر الطيار، وزيد بن حارثة، في مزار الخير والرجولة في الكرك يشهد الرقيب علاء ذيب الطراونة من مرتّبات إدارة الإقامة والحدود حريقا في أحد المنازل، يقوم فورا بالإبلاغ عن الحريق، ولا يتنتظر الغوث لأنه يرى نفسه أنه المغيث بعد الله، يركض ويركض ويركض, يُشمِّر عن ساعديه، ويطأ بقدميه أعتاب البيت لا رقاب العباد لينقذ من يمكنه إنقاذه، ومن بين لهيب النار وكثافة الدخان وبيد القوة المجبولة بالرحمة ينقذ أحد الأطفال، وها هو يخلّص الأم من براثن النيران، ولا يكلّ ولا يمل، وتبدأ أنفاسه تتلاحق، يعلو صوته، ينادي يا الله!! من هنا؟ من يسمعني؟ لعل أحدا في لهيب الاشتعال يسمعه فينقذه، ويتوغّل أكثر فأكثر لعل وعسى تسمعه أذن في الداخل لينقذ صاحبها، وينسى نفسه وعائلته وكلّ ما في دنياه، ليَهَب الحياة لمن في هذا البيت، ولم يخرج إلا وقد انتشل جثة فتاة متوفاة في الداخل، وشيئا فشيئا يبدأ فارسنا بالإجهاد والغياب عن الوعي في ذات المنزل المحترق، فيحمل هو الآخر مع من حُمل للإسعاف في المستشفى. ويُكرّم علاء، ونصفق له ونرفع القبعات شاكرين.
لله درك يا علاء!!! كم علوت في ضمائرنا، وأشعلتنا محبة وتقديرا وإجلالا لفعلك الإنساني.
هذا أنت يا علاء، ولكل إنسان من اسمه نصيب، وهذه شرطتنا التي مثّلها هذا الأنموذج الرائع من شبابنا. فلا ناطحات السحاب، ولا التقدم التكنولوجي ولا التنظير في التحضر جعلت علاء يعلو بفعلته الإنسانية. إنما هي شرطتنا ورجالها، البواسل في الشدة، الرحماء في عَرينهم فأتوني بمثلهم يا بلاد العالمين.
فشتان... شتان بين المشهدين والموقفين والإنسانين.
فما يميزشرطتنا–حفظهم الله-:
أولا: أن الرقابة على أفعالهم ذاتية إيمانية وعقائدية قبل أن تكون قانونية وإدارية.
ثانيا: وهم من رموز وحدتنا الوطنية وروابطنا الأسرية والتعايش والتسامح الديني في بلدنا.
ثالثا: والحرفية المهنية والأخلاقية العالية.
رابعا: موضوعية القيادة الهاشمية وعدم تحيزها لأي مكون وطني من أي عرق أو لون أو دين؛ وذلك بالإضافة لتأهليها الإداري والديني والتاريخي. فسلام على قواتنا ورجال أمننا وشرطتنا، وأظلهم الله بظله، وجعلهم في عين رعايته
(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ، سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ) صدق الله العظيم.
(الرأي)