"الحاجة إلى تجديد الدماء" هو تفسير رئيس الوزراء (في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف اليومية) لحملة التغييرات الواسعة في المواقع الأولى والثانية من المؤسسات الرسمية، وشبه الرسمية.
لن يفيد تجديد الدماء في الأسماء ما لم تجدد رؤية الدولة للتحديات والتهديدات، والصيغ التي تحكم المعادلات السياسية، وتتوضّح للرأي العام، وإلاّ لن يقبل المواطنون التضحية وتمرير "القرارات غير الشعبية"، التي يجري الحديث عنها، وهم لا يعرفون إلى الآن ما هو "الثمن المطلوب"، ومن سيدفعه ولماذا؟
بل أزعم أنّ هنالك وزراء "يتحزّرون"، فيما بينهم، مصير ملفات حسّاسة وحيوية، ويخشون أموراً قد لا تبدو لهم على أجندة الرئيس المعلنة!
أمس صرّح مصدر مسؤول لـ"الغد" أنّ الحكومة تدرس رفع اسطوانة الغاز إلى عشرة دنانير، مع بداية نيسان المقبل (إذ إنّ هذا من الأسس التي أقرت عليها موازنة 2010!)، وهنالك تسريبات متزايدة عن رفع سعر الكهرباء، وإزالة الدعم عن سلع أخرى، وهي قضايا حسّاسة تمس الأمن اليومي لشريحة واسعة من المواطنين الذين يجدون صعوبة بالغة في التكيف مع الظروف الحالية، ما يهدد أيضاً مصير الطبقة الوسطى التي تشكل صمام أمان اجتماعي وسياسي وأمني.
هذه القرارات تأتي بأسلوب الصعقات على غالبية المواطنين، في الوقت الذي ترتفع عليهم كلفة الحياة اليومية، ويغرقون في بحور الضرائب، بينما رواتب الموظفين الكبار في الدولة وأمانة عمان والمؤسسات المستقلة (التي تدور في فلك الدولة) ترتفع بصورة مضاعفة.
سياسياً، لا يبدو الوضع أفضل، بخاصة على صعيد رهاناتنا الخارجية. فبالأمس، صدّرت صحيفة يديعوت أحرنوت افتتاحيتها بالمطالبة بإعادة الضفة (المقصود: كتل سكانية مع الاحتفاظ بمساحة واسعة من الأراضي والمستوطنات) إلى الأردن، بأي صيغة كانت.
أليس ذلك ما كنا نتحدث عنه منذ فترة طويلة، وخرجت "جوقة" الحكومة الإعلامية، حينها، تتحدث عن "الكتّاب المارقين"، الذين يخترعون هذه الأوهام لتضليل الرأي العام وترهيبه؟!
الآن؛ هل تخبرنا الحكومة الموقّرة عن رؤيتها الاستراتيجية في التعامل مع هذه التهديدات الحقيقية، التي لم تعد "إشاعات"، في الوقت الذي ترفع الإدارة الأميركية يديها، وتنسد أفاق التسوية السلمية؟!
أليس الموقف المعلن، الصلب، الصارم لـ"مطبخ القرار" من المشروع الصهيوني على حساب الأردن وفلسطين، يتطلب إعادة النظر في الرهانات السياسية والاصطفافات أو على الأقل توسيع هامش المناورة وسلة الخيارات؟!
ألم يحن الوقت لإعادة التفكير بصورة جدّية بالمنظور الهشّ الذي يحكم ملف الإصلاح السياسي وتجديد صيغة العلاقة مع "الجبهة الداخلية" لمواجهة تلك الاستحقاقات الكبرى، داخلياً وخارجياً؟!
تلك أسئلة وتساؤلات وقضايا حسّاسة وحيوية تتعلّق بمستقبل البلاد والرؤية التي تحكم السياسات الداخلية والخارجية، ومن أبسط حقوق المواطنين والنخب والجميع، أن تبدو لنا الصورة أوضح ونعرف كيف تفكر الحكومة وإلى أين نسير جميعاً؟ فيكون ذلك موضوع حوار ونقاش، لا محلا للإشاعات والأحجيات والتكهنات!
m.aburumman@alghad.jo
الغد.