المجتمع الافتراضي (ما بعد كورونا)
د. عزت جرادات
01-06-2020 06:16 PM
قد لا يختلف المفكرون في حتمية تأثير (وباء الكورونا) على المجتمعات البشرية، مستقبلاً، وتغيراتها، إلا أن الخلاف أو تباين وجهات النظر سيكون حول حجم ذلك التأثير ومدى التغيرات التي قد تحصل، على مستوى المجتمعات وعلاقاتها، سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، والمدى الزمني لذلك التأثير، فالمجتمعات المعاصرة كانت استجاباتها تلقائية، ودون أي مقاومة أو مناقشة للإجراءات الوقائية لوقف انتشار أو توسع ذلك الوباء.
ولعل من أبرز التأثيرات المستقبلية تتمثل في حاجة المجتمعات إلى مفهوم جديد (للتعاون الدولي) أو (التضامن المجتمعي)، يتجاوز الإجراءات الوقائية ليؤثر في مستوى الأداء المؤسسي، لتلك الدول أو المجتمعات.
أما الحاجة الأشد إلحاحاً في المفهوم الجديد (للتعاون) فتمتد إلى (الجهد الصحي)، وضرورة تجاوز الجهود والسياسات القطرية إلى تكامل الجهود على مختلف المستويات الممكنة، شبة الإقليمية أو الإقليمية وحتى الدولية، فعلى المستوى الوطني، سيجد كل قطر نفسه أكثر حرصاً على تحصين ذاته، إفراداً ومؤسسات ومجتمعات محلية، لمواجهة المستجدات الوبائية وغير الوبائية التي تهدد (البشرية) من جهة، ولتقبل الإجراءات الوقائية من جهة أخرى، حتى في المجتمعات الأكثر ديموقراطية أو (ليبرالية)، فالبقاء والأمن، وهما الأدنى في (سلّم حاجات المجتمع) ستحتلان الأولوية المطلقة أكثر من الحاجات الأرقى: التفاعل الاجتماعي، والنمو المجتمعي، وتحقيق الذات على المستويين الفردي والوطني.
سوف تجد المجتمعات البشرية نفسها أمام تجاربها السابقة، والإفادة منها في ابتداع آليات أكثر فعالية تعتمد (القوة الناعمة) لتكون أكثر جدوى، واقوي فعالية، وأسرع نتائج في احتواء أي وباء، والتغلب على تداعياته، والتخفيف من آثاره السلبية أو الوبائية من جهة، وفي إعادة ترتيب أولويات الحاجات المجتمعية، وبخاصة (حزمة الخدمات الاجتماعية): التعليم والصحة والتنمية البشرية... وهذا يستدعي إلا تكون الخلافات السياسية عائقاً أمام (التعاون الدولي الأمثل): حماية للبشرية ومستقبلها، ذلك أن هذا (الوباء الكوروني) قد أدخل المجتمعات في أنماط مختلفة من العزلة في جميع مناشط الحياة التبادلية بين المجتمعات، كما أدىّ إلى اكتشاف المجتمعات المعاصرة عجز أو تدني مستوى أداء وكفاءة مؤسساتها ونظمها وتنظيماتها في معركة المواجهة مع الوباء: احتواءً أو تغلّباً أو تعايُشاً؛ والأهم من ذلك تعرفها على عمق (الانتماء الوطني) لمواطنيها حيث يدرك الحقيقة أن (حماية المجتمع وأمنه وسلامته) قبل (التنمية والإنتاج) فالمجتمع الآمن السليم يصنع التنمية، ويستأنف عجلة الإنتاج.
أما على المستوى العالمي... فقد برزت الحاجة الأكثر إلحاحاً لترتيب دولي جديد بمؤسسات أكثر كفاءة وفعالية وقدرة على ترجمة (مفهوم التعاون الدولي) ذي معنى جاد، ومغزى حقيقي.