"العونة" ..
العميد المتقاعد زهدي جانبك
01-06-2020 05:16 PM
ولدت في بيت من الطين... وكنا محظوظين لان واجهتين من البيت كانتا من الأسمنت... السقف من القصب المغطى بطبقة من أوراق الدفلة التي يضعونها لمنع الحشرات من الوصول إلى القصب وفوقها يكون الطين... سطح الطين من الأعلى يجب صيانته سنويا بطبقة من الطين الحُوَّرْ والعلَّاك الناعم المخلوط بالتبن... وبسبب وجود التبن وما يتبعه من لعبنا وعبثنا طيلة الربيع والصيف والخريف... ينمو على السطح أعشاب ويتسبب ذلك بتكسير طبقة الطين الواقية (مثل القصارة) الأمر الذي يستوجب صيانتها قبل الشتاء... ويجب إنهاء هذا العمل قبل نهاية الخريف...
بيتنا كان مكونا من ستة غرف ومطبخ وحمام وبرندتين مساحة كل منهما أربعين م٢... غرفة الضيوف او الديوان... غرفة الوالد والوالدة... غرفتين نوم للأولاد والبنات...المطبخ... الحمّام ... وغرفة للحمار والبقرة أجلكم الله... وغرفة مخزن تبن وشعير للحمار طيلة العام... وللمفارقة: في إحدى زوايا الأرض كان هناك "الطابون" وهو عبارة عن غرفة 4*3 تستخدم الطابون وادوته وكمخزن زوائد... هذه الغرفه كانت من الحجر وسقفها من الأسمنت المسلح...
المهم... 90٪ من بيوت البلد من الطين... ولذلك فموسم الصيانه عام وشامل لكل القرية...
التراب المستخدم لهذه الغاية خاص ويجب جلبه من العويلية شرق ناعور... ونقل التراب هو عملي انا والحمار أجلكم الله... في موقع الحفر مجموعة التنجيم والغربلة والتحميل... وفي البيت مجموعة التنزيل وانا الأصغر السائق...
بعد استكمال نقل التراب وتحضيره... ونقل الماء (على ظهر نفس الحمار) من النبع إلى البيت ... والاعتداء على مخزون الحمار الاستراتيجي من التبن... يتم اعلام رجال و نساء القرية بموعد صيانة بيتنا... الليلة السابقه لليوم الموعود كنا نقوم بخلط التراب بالتبن وصب الماء عليه...
وكأنه عجين سيختمر إلى الصباح... اعتقد ان الغاية من ذلك أن يتشرب التبن الماء ليصبح لينا لا يتكسر ولا يجرح الأيادي...تجتمع العونة من اهل القرية ويتم تقسيم العمل إلى مجموعات... إعداد الجبلة وخلطها جيدا بالارجل العارية... مجموعة تعبئة الدلاو (جمع دلو)... مجموعة النشل (رفع دلاوة الطين بالحبال إلى السطح)... مجموعة العمل على السطح... نقل الدلو من الحافة ووضعه أمام المرأة التي تقوم بيدها ودون كفوف حماية بتسويته وصقله كطبقة رقيقة فوق السطح لحمايته من الأمطار والثلوج... يتخلل العمل إحضار الشاي وماء الشرب والطعام... وعندما ننتهي من العمل وتناول الطعام مساءا... كل واحد بروح على بيته... طبعا... على أمل اللقاء غدا في بيت فلان... ثم بيت فلان... حتى ننتهي من البلدة...
هذه هي العونة...
وهكذا نشأنا... ولذلك عندما أصبحنا مراهقين قررنا ان نحييى هذه العادة الطيبه... فقمنا كمجموعة شباب بإجراء صيانة لبعض منازل البلدة حيث حولنا سقوفها الطينية إلى سقوف اسمنتية... تعلمنا الطوبار... ونتع الأسمنت على الأكتاف... وتعلمنا ان الأسمنت والرمل كان يأكل أطراف اصابعنا... وتعلمنا ان العصي اذا اجتمعن تأبى ان تتكسر... ولكنها تتكسر آحادا...
وهذا ما نحتاجه اليوم..... التكافل والعونة....
لنعمل معا للخروج من هذه الازمة...
ارجوكم... لنعود إلى اصولنا الطيبة