فوضى الخطاب الديني التي تشهدها الفضائيات ، والإلتباس الذي تُحدثه الفتاوي المتباينة، أضحت ظاهرة خطيرة تسهم في اثارة النعرات الطائفية، والتي في اغلبها تتم لخدمة أهداف سياسية، مما أسهم في انصراف العديد عن الدين، وتنامي ظاهرة الإلحاد، فضلا عن تفشي الفكر المتشدد الذي يفضي الى تبني الإرهاب ، وجاء الدكتور علي جمعة ليعيد قدرا كبيرا من التوازن الى الخطاب الديني الذي ينزع الى الوسطية منهجا والاعتدال اسلوبا ، خطاب يجمع بين أمور الدين والدنيا دون افراط أو تفريط ، ويمكن اعتباره وبحق نموذجا لرجل الدين المتسامح مضمونا والرفيع خلقا والأنيق شكلا والسمح وجها.
واني لأؤكد اهمية المظهر في التأثير على القلوب والعقول وذلك من باب سيماهم في وجوههم فالوجه السمح والهندام الأنيق والنظافة التي تظهر حتى من خلف الشاشات ماهي الا قدوة ورسالة و نموذج ليرى العالم كيف يكون العالم المسلم الحقيقي.
ومن خلال متابعاتي للكثير من البرامج الدينية التي يكون ضيفها في عدد من القنوات ، لفتني تميز أداؤه ، وعمق فكره ، وغزارة معلوماته فضلا عن بساطة عرضه لصحيح الدين الحنيف بعيدا عن المغالاة والتشدد ، واثارة النعرات ، تأسيا بالرسول الأعظم والصحابة الأجلاء والسلف الصالح.
واستوقفتني حلقات برنامج " مصر أرض الأنبياء " التي بثت عبر قناة سي بي سي ، خلال شهر رمضان المعظم.
ووجدتها حلقات ممتعة ومثيرة بما تضمنته من معلومات حول الانبياء الذين ولدوا وعاشوا في مصر او مروا عليها.
ولقد مثلت تلك الحلقات اضافة نوعية وسياحة روحية ، وكشفت لنا نحن المتابعين عن كم كبير من الأنبياء والرسل عاشوا بمصر وبعضهم مر بها وآخرين تزوجوا منها ، كسيدنا إبراهيم خليل الرحمن الذي تزوج من السيدة هاجر وانجبت سيدنا إسماعيل ، وسيدنا محمد ( عليه السلام ) تزوج من ماريا القبطية ، ونبي الله نوح ترك ابنه في مصر ووصفها بأنها أم البلاد وغوث العباد، وكذلك نبي الله يعقوب و يوسف وادريس وغيرهم.
من يستمع للدكتور علي جمعة يتميز عن الكثير من أقرانه الشيوخ بالمام الواسع باللغة الإنجليزية ، وموسوعية معرفته ، التي تبدأ من العلوم الدينية والفقهية ، مرورا بأنواع الطعام في البلدان المختلفة ، و ثقافة العيش و ليس انتهاء باسلوب الحياة المعاصر و غزارة المعلومات العامة ، فضلا عن قوة منطقه المستند الى براهين وأدلة قطعية من القرآن والسنة المشرفة ويقدمها بأسلوب سهل ممتنع ما يجعلها تصل الى جميع المتلقين من الفئات الاجتماعية المختلفة.
إن الدكتور علي جمعة يمثل النموذج الأمثل لرجل الدين القدوة الذي يسهم في تقريب الناس من الدين ونشر سماحة الاسلام ورقيه الإنساني ، والذي سبق كل الفكر الإنساني في رفع قيم المساواة والتعايش " كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربى على أعجمي ولا لأبيض على أسود الا بالتقوى والعمل الصالح ".
الدكتور علي جمعة مفتي مصر الاسبق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، أصدر العديد من الفتاوى الدينية التي تدعم علاقة المسلم بدينه ودنياه وتجمع بين التراث الاسلامي والقضايا المعاصرة وتنم عن فهم عميق للقرآن وللسنة المشرفة، ناهيك عن استفادته من حب آل البيت وارتباطه بهم وتشربه تراث الصوفية مما قاده الى تبني منهج الاصلاح الديني لعلاج مشكلات العصر.
والله لا يضيع اجر المخلصين، فأسهم الدكتور علي جمعة بدور كبير لنشر الثقافة الدينية الوسطية أهلته ليكون ضمن أكثر 50 شخصية مسلمة تأثيراً في العالم من عام 2009 حتى 2017 على التوالي باستثناء عام 2015، حسب تقييم المركز الملكي للبحوث والدراسات الإسلامية في عمان الأردن، وهو عضو لجنة تحكيم جائزة الملك عبدالله الثاني لأسبوع الوئام بين الأديان.
كما منحه الملك عبدالله الثاني وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، وتم تكريمه من قبل منظمة اليونسكو لجهوده في مكافحة الإرهاب.
أتمنى ان يكون نموذج د.علي جمعة القدوة التي يقتدي بها المفتين والدعاة وطلاب العلم الديني وطلاب معرفة فنون التعامل مع الدنيا والدين والمولى عز وجل كما افاض وشرحه بكل بساطة ويسر ووسطية مفتي مصر الاسبق نفعنا الله بعلمه وأصلح ما افسده المتشددون والجهلة بالدين.