إذا أردنا تحليل الموازنة والإنفاق العام بالشكل التقليدي، فإن الإجابة على موضوع الحيز المالي المتاح ستكون سلبية، ويمكن بسهولة المجادلة بأن العجز المتوقع في الموازنة ومع التراجع الشديد في الإيرادات لا يتيح مجالا للحركة أو التحفيز المالي على غرار ما يحدث في الكثير من دول العالم، والحال كذلك هل نعلن أن السياسة المالية لا يمكن أن تساهم بحلحلة الأزمة التي ضربت كافة القطاعات والذي يترجم في نمو سالب متوقع وفقا لبعض التقديرات وأهمها توقعات صندوق النقد الدولي بحدود 307 في المائة؟
واقع الأمر يشير إلى أن خيار عدم اتخاذ قرار يعني تعمق العجز للسنة المالية الحالية، ارتفاع نسبة المديونية إلى الناتج المحلي الإجمالي، خروج العديد من المؤسسات من السوق على الرغم من أنها نماذج ناجحة وبقيت كذلك إلى وقت قريب، ارتفاع نسبة البطالة وربما انخفاض للصادرات، وهذا من شأنه إطالة فترة التعافي الاقتصادية واستمرار تأثر إيرادات الخزينة سلبيا بسبب الإغلاقات المتوقعة وصعوبة العودة لممارسة الأنشطة التجارية.
البديل هو البحث عن سبل لتفعيل السياسة المالية بأكثر من تأجيل بعض المدفوعات والتسهيلات في الدفع، لكي تسند الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي، وهذا يعني التفكير بالكيفية التي يمكن من خلالها إطلاق مبادرات على صعيد السياسة المالية التي من شأنها تخفيف الآثار السلبية المترتبة على جائحة كورونا، وهناك خطوتان مهمتان في هذا الإطار، الأولى تتعلق بإعادة ترتيب أولويات الإنفاق والتخلي عن غير الضروري منها وهذا بدأ العمل فيه، الثانية تتعلق بضرورة ضخ المزيد من السيولة في السوق بحيث توجه لإنقاذ بعض الشركات والمؤسسات التي نعلم علم اليقين أنها مؤسسات فاعلة وناجحة وقادرة على الاستمرار في السوق بعد استعادة الطلب زخمه واستعادة الحياة الطبيعية.
المسار الثاني لا يحتمل المجاملة أو التردد، بمعنى أن المبالغ التي سيتم تخصيصها عبر هذه الأداة يجب أن تخضع لمعايير واضحة وشروط يتم التوافق عليها مسبقا، وهي ليست غير مستردة، بل قروض ميسرة يتم تكييفها بالصورة القانونية التي تضمن حق الحكومة في الحفاظ عليها، وتضمن في نفس الوقت استمرار المؤسسات بتقديم خدماتها وعملياتها الإنتاجية وتحافظ إلى حد كبير على عمالتها الحالية بما يجنب الأردن مفاقمة مشكلة البطالة.
البدائل واضحة، أن لا نفعل شيئا وهو سيؤدي الى استفحال الوضع الاقتصادي وتتفاقم مؤشرات الاقتصاد الكلي، أو نتخذ خطوات واضحة تضمن توسعا معقولا في السياسة المالية ضمن آليات ومؤشرات واضحة تساعدنا على تسهيل عملية المرور.
في كلتا الحالتين سيظهر وضع المالية العامة بشكل صعب، لكن في حالة تبني السيناريو الثاني سيكون هناك خطوات إيجابية من شأنها المساعدة في تسطيح المنحنى الاقتصادي، والتخفيف من الآثار السلبية للجائحة، ويمكن في النتيجة أن يساعد هذا على استعادة زخم النمو وتعزيز الثقة بالاقتصاد وتسريع فترة التعافي. هكذا فهمت الدول ذات القدرات المالية ديناميكية الأزمة الحالية، ولذلك فتحت خزائنها وأنفقت مبالغ لا قبل لنا بها، لكن هذا لا يعفينا من التفكير بآليات تضمن ضخ بعض السيولة لضمان عدم جفاف شرايين الاقتصاد.
الغد