امتحاناتُ الجامعاتِ وأبوةُ الحكومة
أ.د. خليل الرفوع
31-05-2020 09:53 PM
تقمصت الحكومة دور الأبوة والأمومة لطلبة التعليم العالي؛ فكان حنانها المتكلَّف ضارًّا بأبنائها وأبوتها معًا ، وكان العطف الزائد فشلا مضاعفًا أضعافًا كثيرة، فقد أضحت الامتحانات أسواقًا لتجارة رائجة رخيصة مزجاة بثمن بخس دنانير معدودة أو استعانةً بصداقة أولى القربى أو الصّحبة ومن لفّ لفَّهم من عارضي الخدمات ومشتريها، وقد ضُرِبَتِ الأمثلةُ من قبلُ في ذلك ( فالمال السايب يعلم السرقة) مثلما أن العلم السايب يعلم احتراف الغش ، أمَا وقد فتحت الحكومة أبواب هذا الغش على جميع مصاريعه وأروقته فإن مجلس الوزراء صاحب الولاية العامة قد سهّل ومهّد وعبّد طرائقه بكلِّ فنونه وأفنانه .
ألا فليعلمْ أصحابُ الولاية العامة أن جميع أساتذة الأردن لم يشاهدوا ابتلاء مُبرْمَجًا مُعَوْلَجًا مثل ابتلاء إجراء الامتحانات بلا مراقبة بشرية أو مادية، تلكمُ مصيبةٌ أصابتِ العلم وأهله، ولسانهم يتمتم : اللهم ائْجُرنا في مصيبتنا واخلفْنا خيرا منها.
لم ولن يكون مدرسو الجامعات ورؤساؤها وإداريوها خيطا واهنًا في نسيج حكومي خَلِقٍ صُنِعَ على عجلٍ بمشورة مجلس التعليم العالي الذي لا يقول ( لا) في زمن القهر الفوقي الذي يمارسه من ليس له عهدٌ بالأكاديمية العلمية الصارمة، ومما يزيد المقهور غصة وقهرًا أنه يسهم في الصمت عن المزوِّر والمزوَّر والمزَّور له بقصد وترصد وبوعي تنظيمي ممنهج، فهل هو يا مجلس الإفتاء ظالم لنفسه أم لطلابه أم للوطن أم للإنسانية جمعاء !! .
ماذا يقول الآباء والأمهات وهم يرون أبناءهم (إلا من رحم الله) وحدانًا وزرافاتٍ، فرادى ومجموعات يتفننون تقنيًّا وهاتفيا عن قرب وبعد، مخالطينَ وغيرَ مخالطين في تدوير الدوائر وتفعيل أقدم خبراتهم وأحدثها في مسالك الغش وأساليبه التليدة والطريفة، أكانت غربية مستوردة أم عربية مقلدة ، نعم يرونهم وتنعقد ألسنتهم مما ترى عيونهم وتسمع آذانهم وتنكر قلوبهم ، ولعل هناك من يسأل عن الحل، كان الحل أن تستقيل حكومة التبرعات والاقتطاعات، وقد غطت جسدها البررجوازي الليبرالي بنجاحات وهمية ، وكان عليها أن تأخذ برأي رؤساء الجامعات أو برأي الأساتذة وقد اختلط حابل المحافظات بنابلها وفُتِّحَتْ أبوابها وشبابيكها للغادين والرائحين، وكان عليها الإيعاز بوضع كاميرات مراقبة كما تفعل الدول المتقدمة ولو على طلبة الدراسات العليا أو الطب مثلا ، ثم لماذا لم يعد الطلبة إلى جامعاتهم لتُجْرى الامتحانات هناك في مواطنها الحقيقية بشروط تباعدية صحية مفروضة وليس من وراء جُدُرٍ وحُجُبٍ، فإذا كان الخوف من الكورونا حجة مرعبةً - والأيدي المرتجفة والقلوب المرتعبة تخشى سهام منظمة الصحة العالمية - فإن تدمير وطن بحجم عروق القلب ونبضه وزهر اللوز وفوحه وتفتح الورد وعطره سيكون أشد خطرا في تاريخ وطننا، وهلْ من بعدِ مصيبة الصمت عن الغش من مصيبة، وإنها إي والله لأمُّ الكوارثِ كما قال أحد الأساتذة الأصدقاء.