العالم يشكو من الملل .. كيف تنسجم معه وتستمتع به؟
31-05-2020 09:54 PM
عمون - "إذا عشت حياة إيجابية بالمعنى الحقيقي الكافي والمشبع للذات، فلن يكون هناك شيء اسمه ملل"، هكذا يرى الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور. لكن الملل موجود ويضعنا في حالة من "هوس الدفاع" عن أنفسنا في مواجهته، مما يدفعنا أحيانا للهروب من تأثيره ولو إلى الأسوأ.
فقد وجدت دراسة أن 25% من النساء و76% من الرجال عرّضوا أنفسهم لصعقات كهربائية، للتخلص من الأجواء المُملة التي وضعتهم فيها التجربة، وفضلوا الألم على الشعور بالملل.
كما فعل أحد شخصيات الكاتب الفرنسي ألبير كامو في رواية "السقوط"، حين "أفنى عمره في الزواج من امرأة لا يحبها، لأنه كان يشعر بالملل ويريد أن يملأ فراغه، ولو بالعبودية في اللاحب".
لكن الملل جزء من حياتنا قد لا يخلو من فائدة، ولن يفلح الإنفاق العالمي المتزايد على صناعة الترفيه في القضاء عليه، فالملل هو الذي يخبرنا أننا بحاجة لفعل شيء أكثر متعة ونفعا، مما يجعل منه حافزا للتغيير والتقدم.
في كتابه "غزو السعادة"، يقول الفيلسوف البريطاني برتراند راسل "من لا يحتملون الملل هم أشخاص قطعوا صلتهم بآلية الطبيعة المتأنية، وستذبل دوافعهم ببطء، كأنها زهور مقطوعة في إناء".
لا حياة بلا ملل
الملل شعور غير مريح، نحاول تجنبه بإدمان متابعة الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي في معظم الأوقات. لكن الأبحاث العلمية أثبتت أن عقولنا تخسر من قدرتها على التفكير عندما نفعل ذلك، لأن الشعور بالملل هو ما يحفزنا لنبدأ بالتفكير في الحلول.
فعندما قام الباحثون بإعطاء مجموعة من المشاركين مهام مُملة -كقراءة دليل الهاتف- ثم طلبوا منهم أن يبدعوا، اكتشفوا أن من كانوا في أقصى حالات الملل، قدموا أكثر الحلول إبداعا.
الملل ينبهك إلى أن شيئا ما ليس صحيحا، فيحفزك للقيام بتغييرات إيجابية في حياتك، ومن دونه سيبقي كل شيء مجمدا، وربما تفقد العديد من التجارب العاطفية والاجتماعية.
كما كشفت الدراسات أن الملل يجعلنا أكثر إيثارا، إذ نفكر في الآخرين ونساعدهم. فالمشاركين الأكثر مللا أظهروا حماسا أكبر للتطوع في أعمال خيرية أو التبرع بالدم، بدافع من رغبتهم في التغلب على الفراغ واستغلال الفرصة لفعل أشياء إيجابية.
عندما تنهمك في هاتفك فأنت تخفف لحظة من الملل، ولكنك أيضا تجعل نفسك أقل إبداعا، وأقل احتمالا لتقييم حياتك ووضع أهداف لمستقبلك. فلا تكرر تجربة من صعقوا أنفسهم بالكهرباء لتجنب الملل، لأن أدمغتنا ربما تحتاجه أكثر من احتياجها لتذكر الكثير من كلمات السر التي تسمح لنا بالولوج إلى تطبيقات هواتفنا.
8 أسباب للشعور بالملل
شهرام حشمت، أستاذ الصحة العامة بجامعة إلينوي، لخص أسباب الشعور بالملل على موقع سايكولوجي توداي، بما يأتي:
1. رتابة العقل، فأي تجربة متكررة يمكن التنبؤ بها تصيب العقل بالرتابة وتصبح مملة، كالمهام التي تتطلب اهتماما مستمرا، والانتظار في المطار، وحياة السجناء.
2. نقص التدفق، ويتحقق التدفق عندما تتوافق مهارات الشخص مع المهام التي يقوم بها، وتتضمن أهدافا واضحة وتحقق نتائج ملموسة، أما المهام السهلة فتكون غالبا مملة.
3. الحاجة إلى المغامرة، فالذين لديهم ميل للإثارة وروح المغامرة -كهواة القفز بالمظلات مثلا- يرون أن العالم يتحرك ببطء شديد، مما يجعلهم عرضة للملل.
4. الانتباه، فأصحاب المشاكل المزمنة المتعلقة بالانتباه وفرط الحركة، لديهم استعداد كبير للملل.
5. نقص الوعي العاطفي، فمن تنقصهم القدرة على التعبير عما يريدون القيام به، ولديهم صعوبة في وصف مشاعرهم أو معرفة ما يجعلهم سعداء، يعانون من الملل.
6. مهارات التسلية الداخلية، فالذين يفتقرون إلى القدرات الداخلية على التعامل مع الملل بشكل مسل وبناء، يفشلون غالبا في توفير ما يكفي من الإثارة لتبديده.
7. نقص الاستقلالية، فافتقاد الناس للحرية التي تمكنهم من تنفيذ ما يريدون، يتفاقم إحساسهم بالملل.
8. الثقافة، فعندما كان أسلافنا يقضون الوقت في تأمين الطعام والمأوى، لم يكن ترف الملل متاحا.
عواقب الاستسلام للملل
ووجدت دراسة حديثة على أشخاص في الحجر الصحي في إيطاليا، أن الملل هو ثاني أكثر المشاكل شيوعا بعد فقدان الحرية. ووفقا للبروفيسور حشمت، أظهرت العديد من الدراسات أن:
1. حالات الملل المزمنة تسبب الوحدة والغضب والحزن والقلق، وتدفع لفعل أي شيء لتخفيف الألم.
2. الملل المزمن يعرض للإصابة بالاكتئاب والإفراط في تناول الطعام، وإدمان الخمر والمخدرات.
3. الشعور بالملل مرتبط بالوجبات السريعة غير الصحية، ومشاهدة المواد الإباحية على الإنترنت.
4. الملل يقود إلى التسويف، فعندما يشعر الناس بالملل في العمل، ينخفض أداؤهم بشكل ملحوظ.
5. الاستسلام للملل وعدم معالجته أمر خطير، فهو يبعدك عن رؤية نفسك بوضوح.
قليل من الملل لا يضر
يقول الطبيب النفسي الكاتب البريطاني نيل بيرتون إننا "حتى لو كنا ممن يشعرون بالرضا، فلا بأس بقليل من الملل ليساعدنا على مراجعة أنفسنا، وضبط إيقاعنا للبدء بأعمال أكثر نفعا". وينصح بأن نتعامل مع الملل بطرق أكثر جدوى، بدلا من محاولة الهروب منه، وخوض معركة لا نهائية ضده.
كما توصي إيرين سي ويستغيت الأستاذة المساعدة في علم النفس بجامعة فلوريدا، ببعض الخطوات البسيطة للتغلب على الملل، مثل نثر ملصقات على الثلاجة، لتذكيرنا بقيمة وأهمية ما نفعل.
كذلك حل المشاكل التي تسبب الملل، كغياب الأنشطة الطويلة الأمد وذات المغزى، واكتساب مهارات ومعارف تخفف الملل، كإصلاحات المنزل، أو قراءة رواية مثيرة للاهتمام.
وأخيرا يجب إفساح المجال للمتع العادية دون الشعور بالذنب، كالانغماس في مشاهدة التلفاز، والتلذذ بأكلات محببة، والتواصل مع الآخرين، فكلها من البدائل السهلة والفعالة للغاية في كسر الملل.