انتفاضة عالمية وتساؤلات مشروعة عن العنصرية والاضطهاد
تهاني روحي
31-05-2020 10:48 AM
بالرغم من مرور عدة أيام على مقتل المواطن الامريكي ذو البشرة السوداء على يد شرطي، الا أن تبعات هذا الحادث لم تهدأ هناك وانذرت بانتفاضة شعبية، وتواصلت اصدائها في جميع أنحاء العالم، فمن بين اظهار التعاطف مع المواطن المغدور وما بين شامت وشاتم، إلا أنه كان هناك شبه إجماع على أن العنصرية مازالت متغلغلة في العالم وليس في المجتمع الامريكي فحسب.
فالمظاهرات التي اجتاحت عدة مدن أمريكية احتجاجا على حادثة مينيابوليس، حيث قتل الرجل الأسمر، والتي وثقتها كاميرات الهواتف التقالة، اعادت التساؤلات التي تظهر على السطح بعد كل حادثة متسمة بالعنصرية. الا ان الانتفاضة الحالية الواقعية والافتراضية والتي اشتعلت أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن مجرد سخط او ردة فعل آنية فحسب، بل أعادت فتح مِلف الاضّطهاد برمته الذي يتعرّض له المُواطنون ذوو البشرة السوداء على أيدي الشرطة، وبعض مؤسّسات الدولة، واعادت أيضا قضية النفور من الآخر المختلف.
وحين نتكلم عن التمييز العنصري يجب اولا، وقبل كل شيىء معالجة الأوهام العقلية التي استباحت مفاهيم زائفة تعلمها الأجيال عبر مئات السنين في المدارس عن تفوق جنس على الآخر. ففي جذور هذا التعصب العرقي تقبع الفكرة الخاطئة بان الجنس البشري مكون من حيث الأساس من أجناس منفصلة وطبقات متعددة، وبتوفق عرق على آخر. ولكن على العالم ان يعي بالحقيقة الثابته بانه لا يوجد سوى جنس بشري واحد. فنحن شعب واحد ونسكن نفس الكوكب وننحدر من اسرة بشرية مرتبطة بمصير مشترك.
ويبدو ان فروس كورونا الذي عرّى أمور كثيرة كانت مجّملة تحت شعارات المساواة والعدالة الاجتماعية، فهو أي الفيروس قد كشف الطريقة العنصرية والكره للأجانب الذي تعاملت به بعض الدول مع اللاجئين او العمالة الوافدة. وشاهدنا خلال الأسابيع الماضية كيف ان هذا الفيروس كان يخفي صورة قبيحة لدول تتغنى بالحريات وبالمساواة والكرامة، وهذا يدل على ان الاضطهاد والعنصرية لا يزالا متأصلان أعماق النفوس، الا انها طفت على السطح فجأة حين انتابت حالة الهلع والخوف من انتشار الفيروس، حالة من التمييز العنصري على مستويات مختلفة، وبدأت المطالبات بترحيل اللاجئين والعمالة، ناهيك عن التصريحات العنصرية بحق الصينين وغيرهم ابتداءا من قيادات بعض الدول والحكومات وبعض الفنانين والسياسين في بعض الدول العربية كرمي العمال في الصحراء خشية من انتشار الفيروس وأنهم عبء على الدول ، بالاضافة الى مطالبة البعض بإجراء تجارب العلاج على السجناء ، الا ان تصريحات بعض كبار الباحثين الفرنسيين في مجال الطب كانت الأشد عنصرية حيث اقترح الطبيبان ضرورة أن تصبح إفريقيا مختبراً ضخماً للقاح فيروس كورونا، معللين ذلك بأن افريقيا تفتقر إلى الموارد الضرورية للتصدي للفيروس.
إن مبدأ وحدة العالم الإنساني يضرب وتراً حساساً في أعماق الروح. فهو اذن ليس شعارا، ولكنه يعكس حقيقة أبدية، وأخلاقية . هذه الحقيقة أصبحت أكثر وضوحاً بعد جائحة كورونا، لأن شعوب العالم أدركت بان إعتماد عنصر كل منها على الآخر ضرورة حتمية لبلوغها وادراكها لتحقق وحدتها الحتمية. مثل هذه المفاهيم تمثل خطوات فعالة نحو عالم يحاول تحقيق العدالة الاجتماعية، ولكنها وحدها، لا تكفي لاستئصال الآلام المتأصلة للعنصرية ولسائر أنواع التعصب.
فوحدة العالم الإنساني تتطلب "تغييرات عضوية في بُنية المجتمع الراهن، وهي تغييرات لم يشهد العالم لها مثيلاً، فبالاضافة إلى الاحتياج الضروري بإقامة عالم متّحد في منظوماته وتطلعاته، وفي تجارته ونظمه الاقتصادية، ولكنه أيضاً قادر على احتواء ما لا نهاية له من التعددية القومية والأعراق المختلفة .
وأخيرا، اقتبس هذا القول" هَلْ عَرَفْتُمْ لِمَ خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ واحِدٍ؛ لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ عَلى أَحَدٍ. وَتَفَكَّرُوا فِي كُلِّ حِينٍ فِي خَلْقِ أَنْفُسِكُم؛ إِذاً يَنْبَغِي كَما خَلَقْناكُم مِنْ شَيْءٍ واحِدٍ أَنْ تَكُونُوا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ،،، حَتَّى تَظْهَرَ مِنْ كَيْنُوناتِكُمْ وَأَعْمالِكُمْ وَأَفْعالِكُمْ آياتُ التَّوْحِيدِ وَجَواهِرُ التَّجْرِيدِ.