احتفل الشعب الأردني والشعب العراقي في اليوم الثاني من شهر أيار بعيدين قوميين،احتفلت عمان ومدن المملكة الأردنية الهاشمية بتتويج الملك حسين بن طلال رحمه الله ،واحتفلت بغداد بتتويج الملك فيصل الثاني رحمه الله على العراق وكان يوم التتويج بشرى السعد ورخاء الشعبيين الشقيقين والدعوة لهم وبلوغهم المكانة التي يرجوها كل مؤمن مخلص من أبنائها.
فصاحبا الجلالة شابان في مقتبل العمر وهدفهما الوحيد أن يفعل كل منهما ما يستطيعا لرفعة شأن بلادهم وتقدمها في ميدان الحضارة والازدهار ،وأن يكونا كل منهما أباً وصديقاً ومرشداً لأبناء الأمة في رسم الخطط والمشاريع المثمرة التي تحقق للبلاد ما تصبو اليه من مجد ورخاء وعز ورخاء دائم ، ونهضة عامة وشاملة تجعل بلدانهم في صفوف الأمم الراقية.
وقد أنشىء كل من صاحبي الجلالة على عقيدة ثابتة غرست في ذهنهم وتوغلت في قلبهم وهي أن ينشد في كل أعمالهم وأقوالهم وبرامجهم مصلحة لشعبهم وخير الأمة العربية ونجد كل واحد فيهم يتلظى غيرة وحماسة لكل مشروع يرى فيه منفعة للبلاد وأفضل ما يوصف به صاحبا الجلالة بأنهما عنوان الشباب المكتمل ،ففيهما من الشباب والفتوة والأقدام وفيهما الحكمة والاتزان أنهما الأمل الباسم الثمين ويرمقانهما بعيون مملؤها الرجاء ،وهما الرمز الكريم للعمل في سبيل بلوغ الغاية المنشودة .وهما فرعان من الدوحة الهاشمية الظليلة ،هما الديمقراطية الاصيلة .وقد عرفهما أبناء الاردن والعراق في طفولتهما وشبابهم وادركوا أنهما من الشعب وللشعب ولا يعملان الا لخدمة شعبهم – وانهما وإن كانا في ريع الشباب وعنفوان الفتوة – أمتازا ببسمة الافق وسمو التفكير وجلال الغاية والتفاني في السعي لمصلحة الجميع .وفتوتهما وشبابهم حديث الناس وحكمتهما واتزانهما قامت عليها الادلة الناصعة حتى قبل أن يعتليا العرش ،ثم ما أن لبثا أثبتا للعالم كله انهما الضمان الأكيد لعزة شعبيهما ورفعة بلديهما وكانا يكثران من العمل المجتهد والتنقل المتواصل والبحث المستمر حتى أصبحا أبناء الشعبين يشفقون على صحتهما ويلتمسون منهما التخفيف من هذا الاجهاد الذي أصبح دستوراً لهم في حياتهم ولكن نفسيهما كبيرتان وما أصدق المتنبي حين قال : واذا كانت النفوس كبارا – تبعث في مرادها الاجسام . وقد حمل المرحومين صاحبا الجلالة الامانة الثقيلة العبء ،والامانة نحو الشعب في حاضره وماضيه ومستقبله .فما ناء بهما احدهما وما توانى ،فالتفت حولهما القلوب وتضافرت على حبهما الأفئدة وصارا رمزالنهضة التي جاهد في سبيلها ابواهما وجدهم وأسلافهم من آل البيت النبوة .وقد عمل المرحوم الملك فيصل عدة مشاريع في العراق وكانت توصف بأنها مشاريع الآمد والتي ستعود بالخيرات والمنافع وبالاخص مشروع وادي الثرثار وغيرها من الخدمات الطبية والزراعية وأنشئت في حينها أول وزارة اعمار تتولى المشاريع الجبارة التي تهدف الى رفعة البلاد واعداد الجيل المقبل ليكون سليماً مؤمناً عاملاً للخير والرفاهية والعز والفخر .أما في الاردن بلد العز والفخر تم المشروع الاقتصادي للبلاد مشروع الاسمنت ومشروع الفوسفات وتم افتتاح مطار عمان المدني والعسكري لاستقبال الطائرات ذات المحركات الاربعة وتعتبر الضخمة في حينها وعمل جلالته على عنايته باصلاح الخط الحجازي في حينه ومن الذكريات الجميلة يوم التتويج أنه في الصباح الباكر بدأت الوفود العربية تأتي على دار مجلس الأمة وكان رئيس البعثة المصرية الاستاذ الشيخ الباقوري محط أنظار الجميع ولقد عرض عليه أعيان المدينة أن يلقي الخطبة في صلاة الجمعة في اليوم السابق فأعتذر وقال أنه أتى ليقدم التهنئة للملك والشعب .. ورغم ان الحكومة الاردنية لم توجه الدعوة الا للدول العربية وحدها ،فقد حرص الكثير من الاوروبيين والامريكان على الاشتراك في مهرجان التتويج ومن الذكريات الأخرى والتي دونتها مجلة العالم في حينها ومن شرفة القصر المجاور لمبنى مجلس الامة وقفت جلالة الملكة زين الشرف ترقب طلائع موكب ولدها الملك ..وعندما ترجل أمام المجلس لم تستطع أن تحبس دموعها فأنهمرت بينما كان المرحوم الملك حسين يستعرض حرس الشرف قبل أن يدخل المجلس ليستقبل التاج.
وكان الحفل الدستوري أقصر حفل من نوعه فلم يستغرق الا عشرة دقائق تقريباً الوقت الذي استغرقه المرحوم وهو يتلو اليمين الدستوري وهي : أقسم بالله أن أحافظ على الدستور وأن أخلص للأمة.
كان صوت الملك ثابتاً واضح النبرات ووقفته العسكرية وقامته مشرعة كالسيف .وخرج الملك من مجلس الأمة وأتجه مباشرة الى الجامع ،حيث أدى صلاة الشكر وأبتهل الى الله أن يوفقه ويسدد خطاه ثم عاد الى قصر رغدان ليتسلم برقية كان يترقبها من والده الملك السابق طلال كان الوالد يهنىء خليفته الملك الابن ويدعو له بالنصر والتأييد وأسرع الملك الى والدته فباركته ودعت له بالتوفيق في أداء المهام الخطيرة والدقيقة التي تنتظره وبدا سيل المهنئين والمهنئات في قاعة العرش والملكة تستقبل المهنئات في جناحها الخاص ..وباتت عمان شعلة من النور ..النور الذي تترقبه على يدي الملك الجديد .لقد تجلت أفراح الملكيين المرحومين الهاشميين فيصل وحسين روح عربية أصيلة أكدت أن العروبة ليست لفظاً يتألف من الحروف الهجائية وأنما هو معنى عميق يستقر في قلوب العرب أجمعين وفرحة دجلة وفرحة عمان هي فرحة العرب أجمعيين . واليوم الاردن برغم من كل التحديات التي يواجها يقف كما هو على الدوام صامداً ومدافعاً عن قضايا أمته العربية والاسلامية في ظل حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله والذي اثبت ومنذ اللحظة الاؤلى لتسلم جلالته سلطاته الدستورية بمكانة متميزة في جميع المحافل الدولية ويؤكد بحكمته وقيادته الهاشمية بأننا نسير على خطى ودرب واضح نحو مستقبل مشرق والمضي بتقدم وتباث نحو تحقيق مستقبل أفضل في شتى المجالات حمى الله الاردن وحفظ لنا جلالة الملك عبد الله الثاني وولي عهده الحسين بن عبد الله.