ارادتنا الجمعية اقوى من كل التحديات
فيصل تايه
30-05-2020 11:01 AM
تقول الحكمة الأوروبية القديمة :
«حيثما كانت الإرادة موجودة في النفس .. كانت القدم أكثر خفة».
عندما نتصفح تاريخ الشعوب المحبه للحياه نرى ان ارادتها القوية هي التي أوصلتها الى ركب الدول التي نفضت غبار التيه ونهضت بعد دهور من الغفوة وركام من التخلف واحابيل من الضياع ، فافاقت من كبوتها ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، فالإرادة القوية هي التي جعلت كوريا في بداية الستينيات من القرن الماضي تتحول من بلد فقير بدائي يعيش على الزراعة وتصدير الأسماك والألبسة ذات المستوى الردئ ، إلى بلد صناعي يزاحم بمنتجاته الدول الصناعية الكبرى ، والسبب وراء كل ذلك هو الإرادة والعمل المتواصل والمتناغم في إحداث هذا التغيير ، وكذلك فان الارادة هي التي جعلت دولة صغيرة ممزقة كفيتنام تخرج من ركام الحروب وتتفوّق على البرازيل ، والإرادة ايضا هي التي صنعت دولة كانت قائمة على المستنقعات كسنغافورة لتُدهش العالم باقتصادها القوي وطفرتها الحضارية ، والامثلة في ذلك كثيرة ومتعددة .
اما ارادة اللحظة في مواجهة جائحة عالمية جعلت الصين تتجاوز حدود وتخوم دول عديد في التصدي لوباء فتاك بإجراءات متعددة ومتكاملة ، لتكون مدرسة يتعلم منها العالم أجمع كيف تكون صلابة الإدارة وقوتها لدى الشعوب ، في مقابل ذلك فقد صمدت الكثير من الحكومات الإقليمية والدولية بقدرة تلك الدول وتفاعلها مع الحدث بإرادة شعوبها ووعيها فقد شاهدنا على الملأ كيفية إدارة تلك الدول لهذه الازمة في ظل خسائر فادحة وحسب قوة اقتصادها ، وشهدنا أيضا دولا كبرى انهارت منظومتها الصحية ولم تمتلك الارادة الجامحة التي تمكنها من التصدي للوباء بكل همة ومسؤولية ، وشهدنا ما يهدد الاستقرار في العالم، بل يهز منظومة الأمن الدولي الإنساني وقواعد التنظيم الدولي ذاته ، وما أن استفقنا على هذا الفيروس الا وقد نجح في تحقيق أهداف متعددة الأغراض ، حين ضرب دولاً عظمى في توقيت سريع أفزع العالم بأكمله ، وقد أبرز بوضوح حقيقة عالمنا الهش ، وكيف يمكن التعرض لتهديدات حقيقية يمكن أن تضرب الاستقرار العالمي ، وتشل الحركة الاقتصادية وتؤدي للكثير من الخسائر الفادحة .
اما في الاردن فنحن جزء من هذه المصفوفة الكونية ، ولسنا بمنأى او بمأمن عما تأثرت به دول العالم ، لذلك وجب وضع النقاط على الحروف ، بابراز صورة حقيقية صحيحة وواضحة في ظل شعور لدى البعض بوجود أدوار خفيه لم تعلن وتكتمات يدعيها بعض من يقفون في الخندق الآخر ، لذلك فإدراكا لحجم التحديات الاقتصادية التي تسببت بها هذه الجائحة ، قامت الحكومة وحسب امكاناتها باتخاذ إجراءات استباقية عديدة للحفاظ على حياة المواطنين شهد لها العالم اجمع ، إضافة لعدة إجراءات فورية لدعم الاقتصاد الوطني والشركات الكبيرة والمشاريع المتوسطة والصغيرة العاملة لضمان الاستقرار الاقتصادي والمجتمعي، وإطلاق المبادرات والمسرعات الحكومية والأهلية لتوفير البيئة المطمئنة .
اننا الآن امام تحدٍ كبير اندرج عن تبعات تلك الجائحة لم نشهدة على الإطلاق منذ قيام الدولة الأردنية الحديثة على يد الاباء والأجداد ، لذلك وجب أن ننتفق جميعاً على ان مواجهة هذا التحدي يحتاج إلى تكاثف كل الجهود لتحقيق الإنجازات وترجمة مبادئ وأهداف الوطن وان هذا يحتاج ايضاً إلى همّة عالية وعزيمة قوية وارادة فولاذية تتهاوى معها كل المثبّطات والعوائق ، ما يتطلب تعاملنا مع الكثير من القضايا وخاصة الاقتصادية منها بإرادة وطنية حقيقية وعقلانية قادرة على الاستفادة من مخرجات الواقع وصولا الى حلول مجدية مهما كثرت العقبات والتحديات ليكون واقعنا ومستقبلنا بحال افضل ، ما يحتاج لخطط وبرامج حسب رؤى واقعية مختلفة ، بالاخذ بتوجسات المستقبل ، فاضطرابات الاقتصادية اضطرابات مخيفة وتوقعات لم تكن بالحسبان ، وهذا ما نجنيه الان من وضع اقتصادي ومعيشي صعب ، لكننا نعود دوما ونتوكل على الله لما فيه خير الوطن ، ذلك يتطلّب منا جميعاً علو الهمم وشحذ العزائم والنظر إلى المستقبل بإرادة قوية.
الرسالة التي ينبغي ان تصل للجميع ان البعض خاصة أولئك الذين ما زالوا يضعون الكمامات على افواههم واعينهم وآذانهم وكأنهم بكم وصم وعمي وللاسف فهم يستغلون هذا الوضع ليفتحوا ابواقهم الصداحة للتجريح والتحريض والتوتير ، ودق الاسافين في خاصرة الوطن ، لذلك فالكلمات التي يجب أن يفهمها هواة اللعب على وتر التشظي والحالمون بأوهام التأزيم والتعبئة ضد الدولة ، وأن هذه الإيحاءات ما هي إلا تحريضات تمس الوطن وستذهب خائبة منكسرة أمام قناعاتنا وتلاحمنا وتعاضدنا ، لذلك فلن نسمح لاحد بنهش تماسكنا ومحاصرة ارادتنا الجمعية وكياننا البنيوي المتين بأية افكار مسمومة باستغلال الظروف الاقتصادية القهرية الحالية ، ولن نغفر لأحد في الوقت الذي يحتاج الوطن فيه لكل أبنائه ، ومالم نتشبث جميعاً بالإرادة الوطنية الاردنية القوية الصلبة وترسيخ مفاهيمها في نفوس وعقول الاردنيين كافة ، فمن أراد العمل فليشمر عن ساعديه فساحات الوطن مفتوحة للجميع .
علينا ان نقتحم اورامنا اللا وطنية ونستأصلها ، تلك الاورام المركبة والمعقدة المتاصلة في نفوس البعض والتي تحتاج الى اتساق مع الذات وشفافية مع مانصنفه وهماً بالآخر ، كما وعلينا عصيان كل التحيزات ضد الوطن ونستسلم لهناءة الحقيقة الحلمية الاردنية الكبرى من اجل الحفاظ على دولة المواطنة والتمدن ، ونمارس وجودنا السياسي والاجتماعي والثقافي وإعادة تنشيط اقتصادنا ، ففي هذا السياق نحتاج لكل القدرات والكفاءات الأردنية على مختلف اشكالها السابقة واللاحقة ، وبحوار بناء دون استعلاء أو استئثار أو تنكر ، ولاشك ان هذا يحتاج أيضا إلى إخراج كل ذلك الحب المكدس الذي سينتج التألق الوطني الذي سيبقى أبد الدهر باذن الله تعالى ، فارادتنا القوية تمتلك دوماً الأفق للتفكير الوطني الذي يبلور النضج للوعي الانتمائي للأردن وترابه الطهور لإنقاذه من اعتى التحديات .
ان مايهمنا في هذه المرحلة هو الاستيعاب العميق بأن نقف يداً بيد امام كل ما يواجهه الوطن من أزمات وتحديات حملتها الرياح العاتية التي لم تكن في الحسبان ، ذلك من اجل تلبية التطلعات الجامعة ، فالضنك ليس علينا وحدنا ، فكل دول المنطقة الغنية والفقيرة عانت وتعاني جراء جائحة جلبت الويل والدمار والخراب للإنسانية ، فمن يدور في فلك مغاير للوطنية الاردنية الحقيقية في هذا التوقيت بالذات هو للأسف رهين احتقاناته المأزومة المعادية لسويته الوطنية ، وندعوه ليبقى في فلك التطلعات الوطنية الاردنية في العدالة الاجتماعية والدمقرطة السياسية والابتعاد عن استغلال التضحيات من أجل مصالح مكسبية أو احتكارية مهووسة ..
واخيراً صدقوني .. وكما قالت الحكمة الأوروبية القديمة التي بدأت مقالي هذا بها فما نحتاجة بالفعل هي الارادة الجامعة «حيثما كانت الإرادة موجودة في النفس ، كانت القدم أكثر خفة»، واننا لا نحتاج في هذا البلد أكثر من نعمة الأمان ، ولقمة لا تعتريها غصة ، وغطاء يقينا صقيع الزمان ، وفراش يمنحنا الفة عميقة مع المكان ، نحافظ عليه من حور الزمان ومن دنس الحاقدين ، فلنتبه من نزوات الحياة التي لم تكن أكثر من خطيئة قد ندفع ثمنها فلنحافظ على بلدنا ومستقبل ابنائنا من احتمال لنزوة حاقد ، وأطماع بغي ، وتدليس لئيم ، ونشوة حالم ، ومداراة صبور ، وحقيقة وهم ، ومعزوفة نأي وناي .
لنعلم ايها الاردنيون الشرفاء ان الحياة استمرارية عطاء وكفاح ومكافآت ، وهي الأكثر وفاء لمن يحرثها كما يفقه أسرار استخلاف الله له فيها وعليها .
عاش الاردن بكل ابنائة وندعوه جلت قدرته أن ينفذنا من كل مكروه فهو مولانا وناصرنا ، وهو ولي التوفيق
ودمتم بخير