ذكرى معبرة مع الدكتور أبو جابر
شحاده أبو بقر
29-05-2020 10:59 PM
كان المفكر السياسي والإقتصادي الأردني الكبير الدكتور كامل أبو جابر غفر الله له وزيرا للخارجية بين عامي 1991 و 1993 , وكنت حينها مسؤول التحرير لمكتب صحيفة الشرق الأوسط اللندنية وأخواتها من المطبوعات الأخرى في عمان , بالإضافة إلى عملي محررا مسؤولا في وكالة الأنباء الأردنية أيام الجمعة والعطل الرسمية .
جرت العادة أن يتصل بنا " دسك التحرير " في لندن للإستيضاح حول خبر ما يتعلق بالأردن وبشكل شبه أسبوعي وربما أقل في حقبة كانت مشحونة بالتطورات والخلافات السياسية بين دول المنطقة , وبحكم منصبه كنت أتصل بالدكتور أبو جابر للتعقيب على الخبر تأكيدا أو نفيا أو توضيحا حسب مقتضى الواقع .
كانت إتصالاتي معه تتم في الغالب بعد الظهر عندما يكون قد عاد إلى بيته من عمله , حيث عمقت تلك الإتصالات علاقتي به خاصة وأنه يجسد في فكره ونمط سلوكه أصالة العربي الأردني التي لم تتأثر قط بأي فكر وافد برغم علاقاته الواسعة جدا بالعالم الغربي سياسيا وأكاديميا .
كانت ثقافته عربية إسلامية بإمتيازلا مكان فيها لطائفية أو عنصرية أو شللية أو محسوبية على الإطلاق , فالرجل ولد ونشأ في بيت كبيركان رجالاته رفعة في الكرم وأصالة العروبة وهم من كانوا يوقدون نيرانهم مساء في مضاربهم جنوب عمان ليستهدي بها عابرو السبيل من أجل الضيافة والمبيت , وهم ممن نادوا " يا أكال العيش " ولهذا تشكلت شخصيته على هذا النحو الأردني الأصيل.
المهم , قلت أن إتصالاتي كانت تتكرر به كثيرا , ولهذا أستذكر ما قاله لي ذات يوم " عموه أنت فاهم خطنا السياسي الأردني جيدا ولا يمكن أن تكتب ما قد يسيء لبلدنا , ولذلك أنا أفوضك بأن ترد نيابة عني !! " .
قبلت طلبه بطيب خاطر , وتصادف أن إتصل المحرر في لندن بعد يوم ليسأل طالبا تعقيبا من وزير الخارجية وأذكر أنني قد أبلغته وعلى الهاتف بنفي المعلومة أردنيا .. قال أنا أريد نفيا من وزير الخارجية , قلت أنا مفوض بالنفي .
إستغرب المحرر وقال , بكره بحكي أنا ما صرحت , قلت على مسؤوليتي , لم يعرف ماذا يقول وطلب أن أكتب النفي خطيا وهكذا كان .
هكذا كان الدكتور أبو جابر غفر الله له وألهم ذويه الكرام الصبر والسلوان , فهو فعلا فقيد وطن وأمة وقليلون هم الرجال الذين على شاكلته المطلوبة في هذا الزمان وفي الحقب الصعبة والخطيرة على وجه الخصوص .