مَثُل نتنياهو في جلسة أولى أمام المحكمة لمواجهة تهم تتعلق بالرشوة وسوء الأمانة والفساد. هي أول مرة يمثل رئيس وزراء عامل أمام المحكمة لمواجهة هكذا تهم خطيرة. اولمرت الذي ينتمي لنفس الحزب استقال بمجرد أن وجهت له التهم وحكم عليه ودخل السجن.
نتنياهو لم يستقل وقال للإعلام وهو يدخل قاعة المحكمة إنه يقف “صلبا مرفوع الرأس” لمواجهة هذه التهم التي يصر أنها انقلاب سياسي وليست تهما جنائية وصفها بالسخيفة. رئيس الوزراء الإسرائيلي استخدم حقه بخروج كل الإعلام قبل أن يجلس في قاعة المحكمة حتى لا يتم التقاط صور له وهو في موقع المتهم. محاموه طلبوا فترة من الزمن قد تمتد لأشهر لكي يدرسوا الأدلة المقدمة ضده. المشهد برمته درامي مثير وذو دلالات سياسية وشخصية كبيرة ترتبط بشخص نتنياهو ومدى احترامه للديمقراطية في بلده.
في كل دول العالم الديمقراطي يستقيل السياسي من موقعه لمجرد توجيه تهم له مهما بلغ صغرها، لأن الشخص المتهم حتى وإن كان بريئا، يأكل من رصيد حزبه الذي ينافس على الأصوات. عشرات الحالات التي خبرناها لاستقالات تحت هذا العنوان. نتنياهو يرى نفسه أكبر من حزبه، وذاته أهم عنده من أي حسابات انتخابية أو ديمقراطية. هو أيضا لا يأبه بالانطباع عن الديمقراطية في بلده التي طالما تغنى بها، بل يظهرها ديمقراطية هشّة طموحه السياسي الشخصي تغلب عليها وعجزت عن إيجاد قيادات بديلة لنتنياهو كما تفعل كل الديمقراطيات الناجزة. نتنياهو يقول دوما إن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط وهذا علميا ومعلوماتيا غير صحيح، إذ تقف دول مثل تركيا وتونس كدول تصنف رسميا أنها ديمقراطية، كما أن دولا مثل الأردن والكويت ولبنان والمغرب تصنف على أنها في مرحلة التحول للديمقراطية وليست دولا سلطوية. كما أن الديمقراطية في إسرائيل تحوم حولها أسئلة جوهرية مرتبطة بمبدأ المساواة في المواطنة بين أفراد المجتمع حيث التمييز الواضح ضد العرب والأفارقة من المجتمع، ناهيك عن الاحتلال وسياسات القمع التي تطبق على المحتل من الفلسطينيين.
نتنياهو لا يرى ذلك بل وبسلوكه أمام القضاء يضيف للانطباع عن هشاشة السلوك والقيم الديمقراطية في إسرائيل.
لا يوجد بالتاريخ الحديث أن دولة تحكّم بها سياسي منتخب كما فعل نتنياهو بإسرائيل، وتقف الحزبية والديمقراطية في اسرائيل عاجزة عن التعامل مع هذا السياسي المتعجرف، وفي حالة شلل تام لإنتاج قيادات سياسية جديدة.
الإقليم برمته متأثر وسيكون أفضل حالا لو كان هناك شخص مختلف رئيسا لوزراء إسرائيل غير نتنياهو، الذي أوصله غروره وحب ذاته السياسي للمساس بمصالح إسرائيل بالإقليم، واصطدامه مع معادلات لطالما اعتبرت ضرورية لأمن واستقرار الشرق الأوسط، أهمها العلاقة مع مصر والأردن والفلسطينيين التي لا يقيم نتنياهو لها اعتبارا بقدر ما تستحق من أهمية. سياسي مضر ومتخبط وزواله من المشهد سيكون أخبارا سارة للجميع.
الغد