هل نتبع سلوك القطيع لا إراديا؟
26-05-2020 04:59 PM
عمون - "العقل الجمعي" أو "المطابقة الاجتماعية" تسميات لظاهرة نفسية تحدث عندما يفقد الأشخاص قدرتهم على اتخاذ القرار المناسب، ويفترضون أن الآخرين يعرفون أكثر منهم، وأن تصرفاتهم ربما تكون هي الصحيحة، فينصاعون للسائد دون تفكير، فيما يشبه سلوك القطيع.
وقد أظهرت نتائج دراسات للتحقق من نشاط الدماغ في هذه الحالة، أن المشاركين يغيرون اختياراتهم عندما يجدونها تتعارض مع رأي المجموعة، وكشفت بيانات الرنين المغناطيسي أن الصراع مع معايير المجموعة ينشّط المناطق المختصة بالتكيف السلوكي في الدماغ، حيث تؤثر توجهات المجموعة على الإدراك وصنع القرار، مما يجعل الأفراد يغيرون آراءهم وسلوكياتهم للتوافق معها.
وهو عكس التوافق الاجتماعي الذي يتشارك فيه الفرد مع المجموعة لكي يكون ناجحا ويتقبله الآخرون، وقد يكون له رأي أفضل من رأي المجموعة في موقف ما، وهو ما جسده هنري فوندا عام 1957 بدوره في فيلم "12 رجلا غاضبا" عندما أصر على وجهة نظره حتى أقنع بها بقية زملائه في هيئة المحلفين بعد معركة شرسة.
وضع الباحثون خمسة قرود في قفص مع سلم عليه ثمرة موز، وعندما حاول قرد الوصول إلى الموز، تم رش الباقين بالماء البارد، مما دفعهم إلى ضرب من يحاول صعود السلم باعتباره هو السبب في رشهم بالماء. وبعد استبدال أحد القردة بآخر جديد داخل المجموعة، سارع القرد الجديد نحو الموز، فانهال عليه الباقون ضربا دون أن يعرف السبب.
وعندما تم استبدال قرد آخر، كان القرد الذي سبقه هو أول من قام بضربه. وبعد تغيير جميع القردة بمجموعة جديدة لم تخض تجربة رش الماء البارد، كانت المفاجأة أنهم أظهروا الإصرار نفسه على ضرب من يحاول صعود السلم. وافترض الباحثون أننا لو سألنا القردة: لماذا تفعلين هذا؟ فسيكون جوابها: لأن هذا ما يحدث هنا.
المطابقة الاجتماعية
في صالة انتظار إحدى العيادات، يتم إطلاق نغمة يقف بعدها الجميع، مما يلفت انتباه الشخصية المستهدفة بالاختبار، فتضطر لمجاراة الآخرين وتقف بعد ثلاثة تنبيهات دون أن تعرف سببا لذلك. وتظل تقف عند سماع النغمة حتى بعد أن تصبح بمفردها، بل إنها تحث الزائر الجديد على مثل فعلها، وعندما يسألها: لماذا تقفين؟ تجيب ببساطة: لأن هذا ما يفعله الجميع.
جونا برجر، الأستاذ بجامعة بنسلفانيا، يشرح ما يدور في أدمغتنا من سلوك داخلي يسمى "المطابقة الاجتماعية" حيث نتعلّم في سن مبكرة أن نتتبع خطى مجموعتنا ونشعر بالحاجة للانضمام إليها حماية لنا من الاستبعاد، ولأن هذا يجعلنا نبدو اجتماعيين ويعطينا شعورا بالراحة. كما تدفعنا الرغبة في التشابه مع المجموعة للتصرف وفقا لنظرية المطابقة، رغم تأثيرها لا شعوريا على تفكيرنا.
دوافع الانسياق
أجرى عالم النفس الاجتماعي الأميركي سليمان آش تجارب عدة لتحديد العوامل والدوافع المحفزة للانسياق خلف سلوك المطابقة الاجتماعية، من بينها تعدد مصادر التأثير، فالأشخاص الذين يستمعون إلى آراء إيجابية من خمسة قراء عن أحد الكتب سيتقبلون الكتاب أسرع من أن يسمعوا وجهة نظر قارئ واحد فقط.
كما يسهم الارتياب وعدم اليقين في لجوء الناس للعقل الجمعي طلبا للمساعدة، فقد أظهرت الأبحاث أن المستهلكين يأخذون بآراء الآخرين ويميلون إلى تصديقها عندما يحتارون في تقييم أو شراء سلعة.
كذلك تزداد المطابقة الاجتماعية بالرغبة في التماهي مع المجموعة عندما يكون أعضاؤها في وضع اجتماعي أعلى، وينظر الناس إليهم على أنهم أكثر قوة أو نفوذا أو معرفة منهم.
أيضا يُعد التشابه أو التماثل مع المجموعات المحيطة محفزا على سلوك العقل الجمعي، فحينما يدرك المرء أنه مشابه للأشخاص من حوله، فهو يفضل أن يتبنى تصرفاتهم، لذا لوحظ أن ضحكات الأشخاص ترتفع عندما يشاركون من يماثلونهم.
مواجهة السخرية
وفي واحدة من تجاربه النفسية، وجد آش أن الناس كانوا على استعداد لتجاهل الحقيقة وإعطاء إجابة غير صحيحة من أجل التوافق مع بقية المجموعة حتى ولو كانت خاطئة.
حيث تم عرض مقطع لعمود واحد، ثم طلب من المشاركين اختيار العمود المطابق له من مجموعة تحتوي على ثلاثة أعمدة بأطوال مختلفة.
ومن بين 18 تجربة مختلفة، أعطى المشاركون إجابات غير صحيحة في 12 منها، وأشارت النتائج إلى أن المشاركين امتثلوا لإجابة المجموعة غير الصحيحة لاعتقادهم بأنهم أكثر ذكاء منهم.
وعندما سُئل المشاركون عن سبب مجاراتهم لبقية المجموعة في معظم التجارب، أجابوا بأنهم كانوا يعرفون أن بقية المجموعة خاطئة، إلا أنهم لم يرغبوا في المخاطرة بمواجهة السخرية.
العقل الجمعي
وفقا لتجارب آش، يظهر تأثير المطابقة الاجتماعية أو العقل الجمعي في كل مناحي الحياة، ففي المسارح يصفق واحد من الجمهور فيصفق الجميع دون تفكير. وفي فن الإقناع تُظهر الدراسات أن اقتناع الشخص بالتبرع يزداد عندما يجد قائمة بمتبرعين آخرين يعرفهم.
وفي المفاضلة بين شيئين، يختار الناس المطعم أو المقهى الأكثر ازدحاما باعتبار أن الزحام يدل على الأفضلية. كما يزداد اقتناعهم بسلعة ما لكثرة الأشخاص الذين يشترونها، وليس بناء على السعر والميول الشخصية.
أيضا في الصحة، حيث القبول الساحق بأفكار غير مؤكدة وطرق علاجية غير مناسبة للعديد من المرضى لمجرد أنها رائجة.
وفي الموضة حيث يبدأ الكثير من الناس في ارتداء نمط معين من الملابس لمجرد انتشارها. وفي الموسيقى، عندما يستمع المزيد من الناس إلى أغنية معينة، فيتبعهم الكثيرون.
وفي مواقع التواصل الاجتماعي حيث ينشر الأشخاص موضوعا دون التأكد من مصدره، لمجرد أنه مذيل بجملة "أرسله لأكبر عدد ممكن"، ويتجنبون مخالفة التعليقات السائدة غالبا.