بالقليل من الماء والموارد والكثير من الإرادة والعزيمة نحت اجدادنا حضارتهم في البتراء وبنوا قلاعهم ومدرجاتهم ومدنهم فأستحقوا أن يحوزوا على سبعة مدن من أصل عشر مدن كانت تشكل تحالف مدن الديكابولس بالشرق ، وكانوا قبل ذلك بالآف السنين قد علموا العالم زراعة القمح في منطقة عين غزال حيث عثر على حبوب قمح تعود لعشرة الآف عام ، في الوقت الذي كان بإمكانهم الارتحال إلى مدن الحضارات الكبيرة آنذاك في النيل والرافدين ودمشق ، ولكن " الخلق الوعر" للاردنيين كما يسميه معالي الدكتور خالد الكركي.
في ستينيات القرن الماضي هدد السفير الأمريكي بتجويع الأردنيين من خلال إيقاف مساعدات القمح مما أثار حفيظة الشهيد الرئيس وصفي التل فنقل ما حدث لجلالة المغفور له الملك حسين والذي بدوره اعطى الضوء الأخضر لخطة وصفي لاستيراد 14 قطارا" من الحبوب والقمح من سوريا لزراعتها بعد إستنهاض همم الأردنيين ، الذين زرعوا بأسم الله فصدرت معان لوحدها قمحها الفائض للسعودية ، فوصفي مد يده لسواعد الأردنيين وليس جيوبهم لترجمة أهم معاني الإستقلال وهو الإكتفاء الذاتي في أهم بعد للأمن الوطني وهو الأمن الغذائي الذي يحفظ إستقلالية القرار الوطني .
الوطن عند الأردنيين من الأجداد للأحفاد ليس مجرد كيانٍ ورايةٍ وأنشودة ، لكنه إرادةٌ وفكرةٌ ورغبة تسكن في وجدانهم وتتربع على سويداء قلوبهم ، لا تلين قناتهم ولا ينقلون البندقية من كتف لآخر وبوصلتهم تشير من عمّان الى القدس دائماً ولايتبدلون حتى يفنيهم الموت .
نحتفل بالذكرى 74 لإستقلال الدولة الأردنية الحديثة والذي صنعه وحافظ عليه الأردنيون وملوكهم الهاشميون بعرقهم وحكمتهم ، ندرك أنه لا إستقلال بلا إنتماء ولا إنتماء بلا عدالة وتكافؤ فرص ، والتي لا تتحقق الا عندما يكون القانون سيدا" كالموت لايميز بين الناس ولا يستثني أحدا"، فتحية إجلال وإكبار لكل من ساهم ويساهم في ترسيخ الإستقلال جيلا" إثر جيل حتى تبقى الراية خفاقة والهامات مرفوعة والأردن أولا".
من هنا يبدأ الأستقلال ولاينتهي ، وكل عام والأردنيون القابضون على جمر الوطن بألف خير .....