لغتنا العالية ابتكرناها من بيئتنا البدوية التي عاشها أجدادنا وما تزال تعيش فينا وبنا، حتى ساعة اعداد هذا البيان. لم تنجح الإمبراطورية العظمى التي أنشأناها على عجل في طوي بيت الشعر ولا قسوة الصحراء من دواخلنا، طبعا لم تحاول.
ولم ينجح دبيب الزمن الذي مرّ على غفلة منا وما زال بعضنا يعيش بدويته الطبيعية كما كانت قبل ألفي عام وما زلنا جميعا نعيش بدويتنا الذهنية حتى الآن.
لعل السبب المباشر في الموضوع هو ما ذكرته سابقا في اشتقاق لغتنا من بيئتنا، لذلك انتقلت البيئة معنا وسكنت كروموسوماتنا وهي تلوك حثاريم اللبن وتتجشأ حليب النوق. وعلى ذكر النوق فقد كانت العرب تسمي مجموعة البعارين السائرة في الصحراء (قطار) ثم نقلناها الى ال(ترين) الحالي.
أما كلمة الرقّاصة، فقد اختلسناها من واحدة من ألقاب الناقة المتمايلة في مشيتها، فتحولت من طريقة مشي الناقة الى فن بشري راق. ونقلناها طبعا الى المرقص ورقّاص الساعة.
الأعجب أن كلمة "جميل" واشتقاقاتها الأنثوية مأخوذة من سنام الجمل او ربما من دهن الجمل الذي كان يسمى بالجميل، لأنه ناعم وأبيض وطري وغض.
ولما نقول: تسنّم الرجل أعلى المناصب، فهي أيضا من سنام الجمل العالي. أي أنه اعتلى جملا ليصل الى أعلى المناصب.
أما الذي أبقانا في حالة البداوة التامة فهو اسمنا التاريخي (عرب) الذي هو اشتقاق مبدع من آثار البعارين. ولا ننسى جدتنا الأردنية ميسون بنت بجدل التي اسكنها الخليفة معاوية بن ابي سفيان في قصور دمشق وألبسها الدمقس والحرير، لكنها ظلت تحنّ الى خرابيش أهلها ، وكتبت قصيدة معروفة في امتداح البداوة وهجو المدنية (لبيت تخفق الأرياح فيه....).
ببساطة: جدتنا ميسون ما تزال تعيش في دواخلنا.
وتلولحي يا دالية
الدستور