إعادة الهيكلة .. ضرورة لا بد منها
سلامه الدرعاوي
26-05-2020 12:16 AM
قبل كورونا كانت الحكومة تسير بحزم في مشروع إعادة هيكلة القطاع العام، وبدأت بخطوات مهمة في اطار تحقيق الرشاقة في جهاز الدولة الإداري من خلال وقف التعيينات، وإحالة كُلّ من وصل لسن التقاعد أو بلغت خدمته 28 عاما في الدولة.
مجموع ما تم إحالتهم من موظفي الدولة على مختلف مستوياتهم وفق قرار الهيكلة قبل كورونا بلع ما يقارب الـ 7 الاف موظف، وكان
الهدف في المرحلة الأولى هو الوصول الى 10 الاف موظف، إلا ان تداعيات الجائحة عطلت استكمال تنفيذ القرار مثله مثل باقي القرارات والإجراءات التي تعطلت خلال الشهرين الماضيين والتي من المتوقع ان تعود إلى نشاطها التدريجيّ بعد عطلة العيد المقبلة.
أرشيف جهاز الدولة العام له أسبابه المنطقية ومبرراته العادلة، فالعاملين في الجهاز الإداري العام للدولة يبلغ اكثر من 130 الف موظف وهو اكثر من احتياجاته الفعليّة بـ 30 بالمئة على اقل تقدير.
وجود هذا العدد الكبير ساهم بشكل كبير في تأخر الإنجاز وتراكم المعاملات وازدياد البيروقراطيّة السلبيّة في التعامل مع المواطنين، مما نتج عنه تراجع مذهل في مستويات الإدارة العامة والإنجاز، وانتشار مظاهر المحسوبيّة والواسطة في التعاطي مع جزء كبير من التعاملات اليوميّة، وهو ما جعل الإنتاجيّة العامة في ادنى مستوياتها، وباتت فعلا عبئاً على الخزينة.
اليوم بات المطبخ الاقتصاديّ للدولة منشغل بمواجهة تداعيات كورونا الاقتصاديّة المختلفة، والتي تشكّل تهديداً حقيقيّاً على الاقتصاد الوطنيّ في حال عدم تدارك الوضع وإدارة المشهد بمواجهة التحديات بسياسات غير تقليديّة تحقق الاستقرار العام في البلاد.
جزء من السياسات التي يجب على الحكومة الاستمرار في تنفيذها هي خطة إعادة هيكلة القطاع العام، والتي تبعث برسالة إيجابيّة للمانحين والمؤسسات بأن الاقتصاد الوطنيّ مستمر بالإصلاحات التي هي أساس دعم المجتمع الدولي للمملكة، وهي رسالة إيجابيّة داخليّة بأن الدولة تسير بثبات في إعادة تبويب الإدارة المحليّة، والعودة الى ألقها السابق الذي كان مثالاً يحتذى به في الشرق الأوسط، وإلغاء أشكال المحسوبية وعدم الشفافية وانتشار مظاهر التراجع والإحباط لدى العاملين في القطاع العام.
إعادة هيكلة جهاز الدولة الإداري لا يقتصر على العاملين فقط، وإنما أيضا على مؤسسات الدولة وهيئاتها الخاصة المستقلة منها، والذي وجب على الحكومة مواصلة تنفيذ المرحلة الأولى بدمج الكثير منها، ومن ثم الانتقال الى المرحلة الثانية وهو إعادة النظر في طواقم العاملين فيها خاصة، وكيفية دمجهم في جهاز الدولة العام ومن ثم تطبيق قواعد وأسس الهيكلة عليه في مرحلة لاحقة.
هناك فرصة لراسم السياسة الاقتصاديّة في الدولة في هذه المرحلة لإعادة ترتيب البيت الداخليّ وتنظيفه من الشوائب التي علقت بالقطاع العام خلال السنوات الماضية وتعزيز دولة القانون والعدالة المجتمعيّة التي يتطلع اليها الجميع.
أي توقف لأي مشروع إصلاحيّ في الاقتصاد الوطنيّ لن يخدم المملكة مع المانحين والمقرضين، فالأردن بأمس الحاجة اليوم الى توثيق تلك العلاقة مع هذه الدول والمؤسسات حتى يتمكن من المحافظة على استقراره الاقتصاديّ في ظل التحديات الكبيرة التي تحيط به من كُلّ حدب وصوب.
الغد