كانت الثقافة بأشكالها وألوانها المختلفة آخر همومنا على المستويين الرسمي والشعبي قبل جائحة كورونا، فكيف يكون حالها بعد الأزمة التي شلت حياتنا وتفكيرنا؟
ووسط سيطرة شبه مطلقة للأولويات الصحية والاقتصادية بدا من المستحيل شد اهتمام المواطنين لشؤون الكتابة الإبداعية والفنون المسرحية والموسيقى، وهم في أسوأ مزاج وحالة كآبة سببتها أسابيع الحجر الطويلة وتعطل الدراسة المنتظمة والعمل ومصادر الدخل لفئات واسعة.
الوزارة “الثقافة” التي طالما بخلت عليه الحكومات بالدعم والموارد، تمكنت بفضل وزير مبدع وخلاق من تحويل أزمة كورونا إلى مواسم إبداع أردنية لم نشهد تفاعلا مماثلا معها في ظروف مغايرة تماما للظروف التي مررنا فيها.
لم يستسلم دكتور باسم طويسي لفكرة موت النشاط الثقافي وتعطيل الإبداع الفني في زمن كورونا،على العكس تماما من ذلك، جعل من هذا الزمن نقطة تحول في تاريخ الثقافة الأردنية.
وخلافا لما ساد من مفاهيم عن التعليم والعمل عن بعد، رفع الطويسي وفريق الوزارة شعار”الثقافة عن قرب” وبلور حزمة متكاملة من البرامج والمسابقات عبر المصنات الرقمية للوزارة وبدعم من وسائل الإعلام المختلفة.
كانت البداية مع مسابقة “موهبتي من بيتي” التي خصص لها جوائز مالية بسيطة، لكن الفكرة والأسلوب حفزا ما لا يقل عن 100 ألف شاب وشابة إلى تقديم إبداعاتهم في شتى الفنون، ليمنح بذلك جيلا عريضا من شبابنا فرصة التعبير عن مواهبهم الفنية والإبداعية، ويجعل أوقاتهم الطويلة في الحجر ذات معنى وقيمة. وفوق ذلك إعادة بناء الصلات المقطوعة بين جيل الناشئة والشباب ومؤسسات الدولة الثقافية.
لم يتوقف مشروع الوزارة والوزير عند هذا الحد؛ فأطلق سلسلة من البرامج لإدامة الخدمات الثقافية وتحفيزها، فكان برنامج التدريب “شغفي” على منصات الوزارة لبناء قدرات الشباب في سبعة مجالات أهمها الكتابة والموسيقى والفنون التشكيلية والتصوير وصناعة الأفلام.
واطلق منصة التوثيق الإبداعي لزمن كورونا “كل مر سيمر”، لتشجيع الناس على تدوين يومياتهم مع الحجر وتجربة التباعد الاجتماعي. ودشن منصة إلكترونية للكتب والمجلات “الكتب” ليحفز الجمهور على المطالعة واستعادة قيمة التواصل مع الكتب القيمة بعد انقطاع طويل. وطرحت الوزارة أيضا برنامجا للتراث الثقافي والوطني وهو عبارة عن متحف رقمي، يمنح زائريه فرصة التجول في حقبات التاريخ العميق لوطننا.
استراتيجية الوزارة للتكيف الثقافي كما سماها الوزير لم تهمل المحافظات، وتم تصميم برامج خاصة لشحن الطاقات الإبداعية لأبناء المدن والقرى والبوادي الأردنية الذين قدموا للأردن قامات أدبية وفنية كبيرة.
وللمحافظة على قيمة مهرجان جرش في الوجدان الأردني، أسست الوزارة منصة “حنين” لاسترجاع فعاليات دورات المهرجان السابقة. وتخطط حاليا لإدامة مهرجانات المسرح والأغنية السنوية بنسخة رقمية، خلال الشهرين المقبلين، بحيث يتمكن الراغبين بمتابعتها عبر المنصات الرقمية التي تشهد مشاركة وتفاعلا يفوق الحضور الفعلي في المسارح.
قيمة هذا الدور لا تكمن في إبقاء صلة الجمهور حية مع الثقافة والفنون، بل، وكما قال الوزير الطويسي،هى تجربة منحت المواطن فرصة أن يكون منتجا لا مستهلكا للثقافة فقط. وأضيف على قوله القيم هذا أننا امام فرصة لتظهير الوجه التقدمي للثقافة الوطنية الأردنية ببعدها الإنساني العظيم.
من المرات النادرة التي أشعر فيها أن وزارة الثقافة حاضرة بيننا، لا بل وزارة سيادية بامتياز.
(الغد)