بذكرى الاستقلال "جيش في عباءة شعب"
د.مخلد البكر
25-05-2020 02:01 PM
الاستقلال ليس مجرد تاريخ نمر عليه في يوم من ايام السنة وينقضي، الاستقلال ليس اهزوجة تتغنى بالاردن ولا قصيدة نمتدح فيها البلد بل هو رحلة طويلة من البناء والانجاز التضحيات ساهم بها كل مواطن حر شريف في هذا الوطن.
والاستقلال في ابهى معانيه يمثل روح الاعتزاز بالوطن ويغرس فينا روح الانتماء ولا نبالغ ان قلنا اننا في الاردن جيش في عباءة شعب لا شعب يمتلك جيش فنحن على عهد الاردنيين الاوائل ان نبقى رصاصا في بندقية وطننا ومشاريع شهادة اذا جد جدنا.
والاستقلال يصنعها الرجال ويقوي دعائمه الاوفياء ويرفع بنيانه اصحاب الهمم العالية من ابناء الوطن فمثل هؤلاء لن نفيهم حقهم مهما قلنا فيهم فمهما صنعنا لن نبلغ درجاتهم العليا وجميل صنائعهم ورصيد الوطنية التي برهنوا عليه بافعالهم جنودا اوفياء لهذا الثرى الطاهر.
وهنا لن أتحدث عن بني هاشم ودورهم في بناء الاردن ولا تضحياتهم ليبقى عزيزا كريما ، فالقيادة الهاشمية لا تحتاج لأي شهادة وهي التي ضربت مثالا لا زال حيا في الحكم الرشيد يغبطنا عليه إخوة لنا في محيطنا العربي، قيادة بنت الاردن وقدمته للعالم نموذجا يحتذى.
وفي ذكرى استقلال مملكتنا الحبيبة لا يمكن ان يمر يوما كهذا من دون ان نذكر وصفي التل مثلا الذي حذره الجميع ذات صباح الا يذهب في رحلته تلك لكنه ابى قالوا له ان القوم قد جمعوا لك فقال روحي فداء للاردن ،هل تذكرون شاعرنا الكبير حبيب الزيودي رحمه الله ماذا قال في تصوير هذه الحادثة وموقف وصفي:
رفعنا هاماتنا و هاظ الشبل منا
يوماً دنت ساعته ما خيب الظنا
الموت لاجل الوطن ما همنا
وحنا من يومنا يا وطن نعاهد ونوفي
يا مغلين أرضنا و مرخصا دمك
السنديان استند على جبالنا يضمك
يا وصفي يا رمحنا الموت ما همك
قلت يا أرض ارتوي و يا نبع لا تجفي
نعم في عيد استقلالنا نستذكر رجالاتنا الذين وقفوا سدا منيعا لحماية وطن مر ولا زال يمر بظروف اقليمية صعبة وعاتية ولكنه بقي صامدا اشما كجبال الشراه رافعا راسه مدافعا عن كل قضايا الامة.
وهل يمكن ان نمر على تاريخنا المشرف دونما استذكار لحابس نعم حابس المجالي الذي سجل في صفحات الرجولة والوطنية والشجاعة ازهى واجمل قصص الوفاء والانتماء ومن ينسى المشير من ينسى اخو خضرا الذي كان يقول :
" لن ينساني ابناء الاردن ، تاكدوا سنظل في ذاكرة ابناءنا ، لانني لم افعل الا ما يرفع الراس في خدمة الوطن والعرش الهاشمي والدفاع عن ارض فلسطين".
المشير حابس المجالي الذي كتب رفقة وصفي التل والاديب السلطي حسني فريز الاغنية الشهيرة :
تخسى يا كوبان ما انت ولف الي ... ولفي شاري الموت لابس عسكري
يزهى بثوب العز واقف معتلي ... بعيون صقر للقنص متحضري
نشمي مجيد الباس سيفه فيصلي ... مقدام باع الروح لله المشتري
هذا وليـفي فارس ومتحفلي ... كل النشامى تقول صولة حيدري
فمن هو كوبان هذا الذين كتبوا له وصفي وحابس والاديب فريز؟؟ " كوبان" هي كلمة كردية تعني الخائن أو " البواق" هؤلاء رجال ما عرفوا طريقا لخيانة الوطن ولا باقوا مقدراته، ليبقوا في اذهاننا ووجداننا الوطني اسماء خالدة يجمع عليها كل الاردنيين.
وهل يمكن لاي منصف ان يتجاوز بطلا بحجم الشهيد الطيار موفق السلطي الذي لبى النداء في صباح 13-11-1966 عندما دوت صافرات الانذار في قاعدة الحسين الجوية، (وكان الشهيد في زيارة للقاعدة)، وانطلق مع زملائه الطيارين لصد العدوان الصهيوني على قرية السموع في قضاء الخليل، ونجحوا في دحر طائرات العدو .
وكانت طائرة الشهيد السلطي آخر طائرة تغادر سماء المعركة، وباغتته عدة طائرات صهيونية واصابوا طائرته ونجح بالقفز في المظلة، لكن طيارات العدو وطياريها الجبناء لحقوا به وأطلقوا مدافع طائراتهم الرشاشة على موفق وهو قافز بالمظلة، واستشهد رحمه الله وسقط بالقرب من الحدود الاردنية على الاراضي المحتلة يومها اقسم فراس العجلوني اعز اصدقاء موفق السلطي وقائد سريته ان ينتقم لاستشهاد رفيق دربه.
وهل لنا ان نمر على ذكر موفق العجلوني دونما اشارة بحروف من ذهب للطيار البطل فراس العجلوني شهيد الاردن الذي تمكن وزملاؤه في الخامس من حزيران من عام 1967م من ضرب مطار اللد أحد أهداف العمق الإسرائيلي الّذي كان منشغلاً بضرب المطارات في كل من سوريا ومصر حيث تمّ تدمير عدد من الطائرات الإسرائيليّة والمواقع العسكرية.
ليصبح أول طيّار عربي يهاجم أهداف عسكريّة إسرائيليّة في وسط الأراضي المحتلة لا بل ان براعة فراس العجلوني ومهارته وشجاعته واقدامه لم تمكن طيران العدو من استهدافه الا وهو في قاعدة الحسين الجوية في المفرق وهو يتزود بالوقود ليكمل مهماته العسكرية غير المسبوقة في مواجهة العدو الاسرائيلي.
هذا غيض من فيض عن بعض من الصفحات المشرقة لرجال سطروا اروع الصفحات في تاريخ الوطن لنزهو ونحتفل اليوم بالاستقلال الرابع والسبعين لمملكتنا الحبيبة فلولا هؤلاء واخرين كثر قدموا ارواحهم فداء لثرى الاردن ما كان لاستقلالنا معنى ولا لاحتفالاتنا مغزى فهولاء قدموا لنا دروسا في الوطنية ليزداد فخرنا واعتزازنا بهذا الوطن العزيز على أهله.
وستستمر مسيرة الفداء وتبقى الاردن ولادة للابطال والشهداء فكلما سقط بطل جاء أخر ليحمل اللواء و ليكمل مسيرة اردننا الغالي تحت ظل قيادة هاشمية مثلت لنا القدوة والنموذج في التضحية والاستشهاد ليبقى الاردن عربيا حرا عزيزا باذنه تعالى
ولان المقام لا يتسع لذكر المزيد من ابطالنا الاشاوس فانني اسجل اعتذاري الشديد لباقي كوكبة الرجال الرجال من ابناء الوطن شهداء كانوا ام غير شهداء ممن تركوا بصمة في ذاكرتنا الوطنية فلهم منا جميعا تحية الاعتزاز ودعواتنا لهم جميعا بالرحمة والمغفرة وجزاهم الله عن الاردن والاردنيين خير الجزاء.