هل حدث هذا من قبل؟! لعله أول عيد في التاريخ عندنا وفي دول اسلامية اخرى يكون فيه حظر تجول شامل، وبدون صلوات في المساجد أو مظاهر احتفالات وتبادل زيارات وولائم مشتركة. نسجل هذه ايضا من السوابق العجيبة التي فرضتها علينا كورونا، كما لم تفعل ذلك اي من النوازل كالأوبئة والزلازل والحروب منذ بدأ الاحتفال بهذا العيد في التاريخ.
كنت من باب الدقة العلمية ابحث على الانترنت عن سوابق مشابهة قد تكون حدثت فوجدت معلومة طريفة عن عيد سنوي يقوم اصلا على حظر التجول التام وأيضا الصمت والهدوء وهو عيد هندوسي لكنه يخص منطقة محددة هي جزيرة بالي السياحية الشهيرة حيث يلتزم السياح ايضا بالتقاليد المحلية لهذا اليوم بالتزام البيوت وعدم اصدار ضجيج ويتم اطفاء اجهز التلفاز والراديو والهواتف وغيرها، ويمتنع الأجانب عن زيارة الشواطئ للترفيه وتغلق المطاعم والمحال التجارية أبوابها وتتوقف حركة الملاحة في المطار الوحيد على الجزيرة ومحطتي انطلاق العبارات فيها، فلا تجد في الشوارع سوى سيارات الطوارئ وعناصر الأمن المستعدة للاستجابة في حال حدوث أمر جلل. ويخصص الوقت طول اليوم للتأمل والروحانيات وتحرير النفس من السلبيات والانعتاق من شجون الحياة اليومية والمصالح المادية.
دفعتني هذه المعلومة لموضوع هذا المقال عن الجانب الايجابي لهذه السابقة في العيد، وقد كان لسان حال الجميع في المعايدات على وسائل التواصل هو الأسى على ما آل اليه الحال بأن نعيّد بهذه الطريقة غير المتوقعة (المحزنة !) والتمني بأن “تنذكر وما تنعاد”، وأكثر من ذلك جانبيا التذمر وعدم الرضى عن قرار الحكومة وأحيانا التشكيك بمبررات القرار والتخمين بوجود اجندة معينة وراءه.
طبعا انا لا اعتقد بوجود اي اجندة غير الاجتهاد من جانب الجهات المسؤولة في مزاولة مسؤوليتها في فرض الاحتياطات اللازمة بتجنب مخاطر الحركة والاختلاط التي لا مناص منها يوم العيد. وأنا إبتداء لا اعتقد ان في هذه الأزمة وجود لأي افتعال أو مؤامرة. الفيروس كان حقيقة داهمت البشر وهو من الفيروسات التنفسية التي وجدت دائما وتظهر منها كل حين سلالات جديدة وهذه المرة جاء نوع ليس اشد فتكا لكن اسهل انتشارا وأكثر غموضا في سلوكه الذي يراوح بين القتل أو ترك آثارا لا يكاد يشعر بها المصاب ومع اتساع حركة الناس الى مستويات غير مسبوقة حول العالم اصبح الوباء عالميا في ظرف اسابيع. ويكفي ان نتذكر ان ثمة اكثر من مائة الف رحلة جوية يوميا تقل اكثر من عشرة ملايين مسافر حول العالم وفي اي ثانية خلال اليوم هناك 12 الف طائرة تقل ما يزيد على مليون انسان. هذا غير النقل البري . وفي الاردن اليوم فإن الشحن البري وحده والذي لا يمكن ايقافه لتوريد السلع والاحتياجات يتسبب كل يوم في حالات جديدة مكتشفة تخرب على النجاح المتحقق بفضل الحظر. ان التفكير بعقلية المؤامرة وافتراض اجندة اخرى توهم بأمور غير حقيقية يعزز فقط المشاعر السلبية ويمنع التفكير العلمي والتدبر العملي للأمور.
ما علينا. أعود لموضوع العيد والحظر لأقول ربّ ضارة نافعة لنفكر اننا الجيل الذي شهد الحادثة الاستثنائية غير المسبوق في التاريخ وقد تكون حافزا على التأمل والتفكير ومراجعة الذات والنظر من زاوية مختلفة للحياة وللمستقبل. ثم كم من الفرح الحقيقي والابتهاج نمارسه في العيد وكم من نكد المسؤوليات والواجبات الاجتماعية والاحراج والأعباء والانفاق الذي يكسر الموازنة؟! العيد هو من لحظات الذروة في صخب الحياة واللهاث مع الواجبات والمسؤوليات والأعباء فليكن لمرة لحظة قعود عن كل الواجبات والمسؤوليات والأعباء والوقوف على مفارقات الحياة والتأمل فيها.(الغد)