يتوافق نشر مقالي هذا مع عطلة عيد الفطر السعيد، لذلك أنتهز المناسبة لأوجه أصدق عبارات التهنئة والتبريك للقراء الأعزاء، موصولة بالدعاء إلى الله العلي القدير أن يبارك في بلدنا، ويفتح أمام أهله وقائده سبل الخير والرشاد والفلاح.
لقد تزامن شهر رمضان المبارك لهذا العام مع أكبر وأخطر جائحة يشهدها العالم الحديث، لما تركته وتتركه من آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي، فضلا عن التحولات النفسية الناجمة عن الرعب من الفيروس الفتاك، والقلق من الحاضر، والخوف من المستقبل، والدول جميعها أمام ذلك التحدي، الذي ضرب كذلك المقومات التقليدية لهيئات ومنظمات التعاون الدولي، وأنشأ أزمات متصاعدة بين دول كبرى، يحذر الخبراء من أنها تأذن بحرب عالمية ثالثة إذا ما تأخرت تلك الدول عن الاستفاقة من صدمتها قبل فوات الأوان!
شهر رمضان كان في حد ذاته حالة من هدوء اعتدنا عليها كل عام، فلم يكن هناك ما يقلق من التحرك البطيء في ظل أوامر الدفاع والاجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الوباء، وسجلت في ذلك نجاحا كبيرا، مقارنة مع العديد من الدول على المستويين الإقليمي والعالمي، فكان الشهر الفضيل عاملا مهدئا للحيوية التي نحتاجها كي نحفظ السلامة العامة من جهة، ونحرك عجلة الاقتصاد من ناحية ثانية وساعد على ذلك العودة المحسوبة لكثير من القطاعات التجارية إلى وضع شبه عادي، تتناسب إلى حد بعيد مع طبيعة الشهر الكريم.
والآن ها قد انتهى شهر رمضان، وانتهت عطلة العيد، ومن المفترض أن نعود مثلما كنا نفعل في السابق إلى نسق الحياة العادية، ويستأنف الجميع أعمالهم كالمعتاد، ولكن هذه المرة ما يزال النسق العام مربوطا بالوضع القائم منذ شهر مارس آذار الماضي، ولا يمكن التغاضي عن الانتكاسات التي وقعت خلال الشهر الحالي في عدة مناطق من المملكة، لمجرد أن فردا أو فردين أو ثلاثة أفراد لم يلتزموا بتعهدات وتعليمات الحجر المنزلي، وذلك يعني أننا أمام حالة تشبه السير على حقل من الألغام.
وعلى فرض أنها حرب مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية، فهل توقفت الحياة أو يمكن أن تتوقف بانتظار انتهاء الجائحة – وليس هناك ما يدل على قرب احتمال من هذا النوع – حتى نبحث عن المستقبل، أي تحديد ملامحه على الأقل بالنسبة لبلد كان يعاني في الأصل من أزمة اقتصادية خانقة، وخياراته محدودة في تنشيط حيويته التجارية في ظل تعطل حركات النقل وخطورتها ، ونحن نتذكر أن الانتكاسات التي وقعت كانت عن طريق سائقي شاحنات على سبيل المثال، وبالطبع لا يأتي البحث عن المستقبل من دون تحديد نقطة بداية نتفق عليها، ولا من دون الاعتراف ولو لمرة واحدة بأنه ما من حكومة في العالم تستأثر بمفردها بعمليات التخطيط لمستقبل الدولة، فكيف إذا كنا أمام حالة من الصدام ليس مع وباء وحسب بل بين أنظمة اقتصادية ومالية وأيدلوجية عالمية!
هناك من يقول لننتظر ونرى، بما أن الأزمة أزمة عالمية، وهناك تصورات كثيرة تعتقد بأننا لا نملك الكثير لتجاوز هذه المرحلة نحو الأحسن، ولكني أقول إن التفكير في المستقبل والبحث عنه هو اليوم مسؤولية واجبة على الأفراد والجماعات والمؤسسات العامة والخاصة وعلى الحكومات، وهو كذلك قرار إستراتيجي ونهج يتيح للدولة مواصلة طريقها بأقل الخسائر وقت الخسارة، وبأفضل المكاسب وقت الأداء الايجابي، والانفراج الكلي.
أظن أنه قد حان الوقت لكي نجد وصفا دقيقا، وتقييما حقيقيا للوضع كما هو عليه الآن، ثم الانتقال إلى مرحلة جديدة من التفكير والتخطيط والإدارة الإستراتيجية التي تمنحنا القدرة على استشراف المستقبل والتعامل مع الحقائق الموضوعية، يوما بيوم!(الغد)