تضحيات صعبة من اجل نيل الاردن استقلاله
د.بكر خازر المجالي
23-05-2020 10:20 PM
استقلال الارض والسيادة
مسيرة استقلال الدول في أغلبها ، تستند الى تضحيات الشعب ونضاله وقتاله ،ولكل استقلال ابطاله وقياداته وشهداؤه ، فيقترن الاستقلال الليبي بـ عمر المختار وادريس السنوسي ، والمغربي بعبدالكريم الخطابي ومحمد الخامس ، ، واستقلال الجزائر بـالبشير الابراهيمي واحمد بن بللا وجميلة بوحيرد ، والاستقلال المصري بـ سعد زغلول واحمد عرابي، والتونسي بالحبيب بورقيبة ولزهر لشرايطي، واللبناني برياض الصلح والسوري بشكري القوتلي ، وهناك العديد من الابطال العرب الذين قاتلوا وقادوا وأصبحوا رموزا وطنية يوثق التاريخ اعمالهم ،ويشكلون مرجعية معنوية لتاريخ النضال العربي .
وفي الاردن كان الوضع له مساره ، فقد كانت التضحيات الكبرى هي في الثورة العربية الكبرى ، وخاض العرب في الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام معارك عديدة ، وكانت الثورة العربية الكبرى هي ثورة من اجل الاستقلال العربي والسيادة الوطنية والعودة الى مجد امة العرب ،وقدمت قوافل الشهداء ، ومن المفترض وفق مراسلات الشريف الحسين مع السر مكماهون انه بانتهاء الحرب العالمية الاولى يصار الى تنفيذ الاتفاق الذي على اساسه خاض العرب الحرب الى جانب الحلفاء ، ولم يتوانى العرب بقيادة الشريف الحسين بن علي عن الالتزام بالواجب العسكري ،وتنفيذ العمليات الحربية بامتداد جبهات القتال من مكة المكرمة الى الشمال وعلى طول ساحل البحر الاحمر ثم الى العقبة والحركة شمالا حتى تم رفع علم الاستقلال العربي فوق دوائر دمشق في الثاني من تشرين الاول من عام 1918م.
وكان الاردن هو ضمن الدولة العربية المستقلة من عام 1918م حتى 24 تموز 1920 (يوم ميسلون ) ،وله مؤسساته وتنظيمه الاداري كمحافظة شرق الاردن برئاسة رضا الركابي حينها ، الى ان تعرضت المملكة العربية السورية لمؤامرة تنفيذ سايكس بيكو قسرا وفق الدراما المؤسفة التي نفذها الجنرال الفرنسي غورو ،
ويدخل الاردن في مرحلة جديدة ، هي البحث عن الكيان السياسي بعد أن انفردت فرنسا بسوريا ولبنان ، والاصرار على أن يبقى علم الاستقلال العربي مرفوعا ، وبعد أن خضعت فلسطين للاحتلال البريطاني ، بقي الاردن في حالة من الفراغ السياسي والاداري حتى قامت فيه الحكومات المحلية في السلط وعجلون الكرك .
مثلت هذه الحكومات حالة من الوعي الاردني المبكر بضرورة تنظيم شؤون البلاد وحمايتها من اي تدخل اجنبي ، بل وصل الامر في الحكومة المؤابية الى عقد اتفاقية للتنقيب عن النفط في غور الصافي مع شركة ايطالية .
ومع وصول الامير عبدالله بن الحسين الى معان يوم الواحد والعشرين من تشرين الثاني من عام 1920، على رأس حملة لاستعادة عرش سوريا ، مكث في معان لتصبح معان عاصمة للتحرير العربي ،واتخذ من قصر محطة سكة الحديد مكانا حمل اسم " مقر الدفاع الوطني " ، وليتوافد احرار العرب واهل شرق الاردن اليه للبحث في مستقبل العرب ،ولكن يحول التهديد الفرنسي للامير عبدالله بأن يتقدم شمالا ،خاصة مع موقف بريطانيا المضاد لحركة الامير عبدالله حين جاء التصريح البريطاني للامير بأن بريطانيا لن تقف مكتوفة الايدي ازاء أي تهديد لحليفتها فرنسا .ثم كان التحول سياسيا ، بزيارة هربرت صموئيل الى معان والبتراء بضيافة الامير عبدالله ، ثم بدء رحلة التأسيس الاولى للدولة الاردنية من معان الى عمان ليحط الرحال فيها يوم 2 آذار 1921 ، وتكون البداية بكوكبة الشرطة والدرك وبعض القياديين لتكوين مؤسسات الدولة ، ومن ثم يُدعى الامير عبدالله الى اجتماع في القدس يوم 28 آذار ،الذي كان بعد اجتماع القاهرة يوم 12 آذار، لترتيب الوضع في المنطقة . يجتمع الامير عبدالله في القدس مع ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطانية والمندوب السامي البريطاني هربرت صموئيل ولورنس وعدد من المسؤولين لبحث ترتيبات اعلان دولة في شرق الاردن .
ويعود الامير عبدالله الى عمان ، ولكن تكون الصدمة باصدار صك الانتداب على الاردن وفلسطين من عصبة الامم عام 1922،.ووظيفة صك الانتداب الاولى هي تكليف بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور بحدوده التي تبدأ من جنوب صيدا الى جبل الشيخ وكامل الجولان الى القسم الغربي من سهل حوران ثم الى منطقة المفرق الاردنية والسير بمحاذاة سكة الحديد والانعطاف من جهات معان الى ساحل المتوسط وصولا الى شاطئ رفح .
ويعني ذلك ان لا دولة عربية ستكون على ارض الاردن .
فأين يقيم الامير عبدالله الدولة ؟
وهنا كان تصريح الامير عبدالله الموجه لبريطانيا بأنه سيعود الى ثورة اجداده ، ولكن بدأت بريطانيا بمحاولة تعديل صك الانتداب بتغيير مسار حدود بلفور ،باخراج صيدا وجبل الشيخ والجولان والقسم الغربي من سهل حوران والمفرق واعادة الخط ليمر من بحيرة طبريا الى منتصف مسار نهر الاردن ومنتصف البحر الميت ،ثم عبر وادي عربة ليصل الى رأس خليج العقبة . حاولت الوكالة اليهودية رفض هذا التعديل او التأثير فيه ، لكن اصرت بريطانيا على تنفيذه ، وتم تثبيت التعديلات في شهر ايلول 1922 ، ليبدأ الامير عبدالله من جديد الاعداد لاعلان استقلال شرقي الاردن حتى كان ذلك يوم 25 أيار 1923، ليكون هذا اليوم هو يوم الاستقلال ويوم السيادة على الارض وهزيمة قسم خطير من مخطط وعد بلفور .
سارت الدولة الاردنية على درب المؤسسية ، وبدأت بتأسيس اركان الدولة ، ووصلت الى عقد اتفاقية مع بريطانيا عام 1928م ، مثلت الاعتراف بدولة امارة شرق الاردن ، وليُصدر الاردن القانون الاساسي كأول دستور ، وبدأت الحياة التشريعية ، واصبح الامير القائد الاعلى للقوات المسلحة ، ومن ثم خاضت القوات الاردنية الحرب العالمية الثانية وفق المعاهدة المشتركة ، وقاتل الجيش العربي في سوريا والعراق وفي صحراء العلمين وفي فلسطين ، وبدأ الاردن يطالب باستقلاله التام بعدما تأهل ليكون قادرا على ادارة وقيادة نفسه مثبتا ذلك بدوره الكبير في الحرب العالمية الثانية ، ثم ليأتي اعلان استقلال الدولة الاردنية يوم 16 كانون الثاني عام 1946 بتصريح خاص من المستر بيفن وزير الخارجية البريطانية من على منبر الامم المتحدة .
انتقل الاردن الى مرحلة جديدة تطلبت عقد اتفاقية جديدة مع بريطانيا بدلا من معاهدة عام 1928 ، واجراء تغيير على القانون الأساسي يتوافق مع اعلان المملكة الاردنية الهاشمية ، واكتملت التحضيرات وأُعلن استقلال المملكة الاردنية الهاشمية يوم 25 أيار 1946م، في يوم اعلان استقلاله السيادي الاول عام 1923م .
وسنبقى نستذكر أعمدة الاستقلال الاردني من قادة جيوش الثورة العربية الكبرى من صاحب النهضة الحسين بن علي الى شهيد ميسلون يوسف العظمة ، ، الى القادة الاردنيين مثل علي خلقي الشرايري ومحمد علي العجلوني ، وقادة الاحزاب الوطنية من حسين الطراونة الى عبدالله السودي الروسان، الى ناجي العزام وعودة القسوس و رفيفان المجالي وسعيد الصليبي ونمر الحمود وحمد بن جازي وعودة النجادات ومحمد المحيسن ومثقال الفايز وسعيد خير وشمس الدين سامي وسعيد المفتي ونجيب الشريدة وراشد الخزاعي . وغيرهم كقادة ورجال خدموا الوطن واسهموا في مسيرة الاستقلال مع صانع الاستقلال الملك الشهيد عبدالله الاول طيب الله ثراه .
وبعد الاستقلال مباشرة، كان الاردن في طليعة امته العربية في خدمة قضاياها العادلة ،فخاض الجيش العربي الاردني حرب فلسطين عام 1948 ، وأدى دورا مشهودا في الحفاظ على القدس وعلى ما تبقى من فلسطين باسم الضفة الغربية .وحقق وحدة الضفتين ، ومن ثم ليأتي الملك طلال طيب الله ثراه ليعلن الدستور الاردني ، ومن بعده ندخل في حقبة البناء في عهد المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه ، ويشهد الاردن نهضة صناعية وعمرانية مع رعاية خاصة للمقدسات والمسجد الاقصى المبارك ، ونخوض حرب 67 ، ومعركة الانتصار الخالد في الكرامة ومعركة تشرين 73 ، ويشاء القدر ان يرحل الحسين طيب الله ثراه، لندخل في عهد جديد هو البناء المعرفي والمنهج العلمي ،واستمرار ثوابت الدولة بقيادة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.
نعيش ثمار الاستقلال بقيم الدولة الاردنية ، وبكبريائها وشموخها ، وهي تقدم النموذج الافضل عالميا واقليميا ، مع تركيز السياسة الاردنية بقيادة جلالته على ان لا حل للقضية الفلسطينية الا بحل الدولتين ، وان الاردن يدعم كل جهد فيه العدالة للشعب الفلسطيني ، مع اهتمام جلالته بالشأن الداخلي وتوجيه الحكومة دائما للوصول الى المستوى الافضل لعيش المواطنين ، والعناية بالشباب وهم ذخر المستقبل وقادته ، وتحفيز الصناعة والاقتصاد ليكون اقتصادا مفتوحا جاذبا لرؤوس الاموال والتعاقدات المختلفة ، والاعتناء بالتعليم والصحة ، وايلاء القوات المسلحة الاردنية والاجهزة الامنية جلَّ عنايته ،مع الاهتمام بالمكانة العالمية للاردن . ونرى الاردن كيف انه نموذج فريد في مواجهة جائحة كورونا بعنايته بصحة الانسان وتنفيذ اجراءات حضارية فيه كرامة الانسان ورفعته .
والاردن الذي يزهو باستقلاله الرابع والسبعين يتطلع الى المستقبل بعين التفاؤل والرضى ، وسيكون دائما هو دولة الحق في الدفاع عن قضايا الأمة ، ودولة الحضارة والمعرفة في بناء دولة تسير نحو العالمية والتميز باستمرار .
وكل عام وجيشنا العربي واجهزتنا الامنية بخير
وكل عام وكل شعبنا العزيز بالف خير
وكل عام وقائدنا جلالة الملك عبدالله الثاني بالف خير .