إلغاء أوسلو وتغيير الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية
داود عمر داود
23-05-2020 05:54 PM
إلغاء أوسلو
منذ سنوات، لم ينفك رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن)، كلما انغلق الأفق أمام ناظريه، أو انتابته حالة من اليأس، إلا أن يهدد بالغاء اتفاقية أوسلو مع إسرائيل. وها هو اليوم يصل به الأمر إلى منتهاه، فيعلن رسمياً الإنسحاب، من جانب واحد، من كل الاتفاقيات مع إسرائيل والولايات المتحدة، بما فيها التنسيق الأمني، ردا على خطة ضم 30% من أراضي الضفة الغربية، وعلى (صفقة القرن). مشيراً إلى أن مسئولية إدارة الأراضي المحتلة، منذ عام 1967، تعود الآن إلى إسرائيل (كقوة إحتلال).
سيف ذو حدين
إن إقدام السلطة الفلسطينية على إلغاء اتفاقية أوسلو، هو سيف ذو حدين، يحمل في طياته مضامين متعددة. فمن جانب، تكون السلطة قد انتحرت عملياً، وحلت نفسها، ونزعت الشرعية عن وجودها، وأرجعت إلى إسرائيل مسئولية إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة. ومن جانب آخر، تكون قد أعادت القضية الفلسطينية إلى ما كانت عليه قبل 53 عاماً، في أعقاب حرب 1967، إلى زمن كان الحديث يدور فيه حول (إزالة أثار العدوان)، مما يعني أن يتم ضمنياً سحب إعتراف الفلسطينين بدولة إسرائيل، وإلغاءً التنازلات التي قدموها للاحتلال، منذ أوسلو.
العودة إلى المقاومة
كان أبو مازن قد صرح، اوائل العام، بعد الاعلان عن (صفقة القرن)، أن الدور الوظيفي للسلطة سيتغير، دون إعطاء مزيد من التفاصيل، حول وظيفة السلطة حالياً، ومستقبلاً، مما ترك الأمر محل تكهن. إلا أنه حسم الأمر، في إعلانه الأخير، بأن أعاد تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية، مما قد يُفهم منه أن الفلسطينيين سيعودون إلى دورهم الوظيفي في (المقاومة)، الذي مارسوه، على مدى ربع قرن، قبل إتفاقية أُوسلو 1993، والتي انبثقت عنها السلطة.
مآزق إسرائيل: رعاية 6 ملايين نسمة
زوال السلطة الفلسطينية وتفككها سيشكل مآزقاً لأسرائيل، وسيكون عبئاً عليها. فقد أزاح تسليم الأراضي المحتلة، إلى عرفات بموجب أوسلو، عن كاهل الإحتلال مسئوليات ثقيلة مزعجة، خاصة قطاع غزة، الذي كان شوكة في حلق المحتلين. ولا يُنسى تصريح رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، إسحاق رابين، عام 1992، حين قال (أتمنى أن أصحو من النوم يوماً وأرى غزة وقد ابتعلها البحر). وبما أن غزة ما زالت موجودة ولم يبتلعها البحر لغاية الآن، فإن العودة لإدارتها ستشكل كابوساً لقادة الاحتلال.
فإذا كان رابين، أنذاك، يستطيع أن يخلد إلى النوم قليلاً، فإن القادة الحاليين لن يستطيعوا النوم، فغزة اليوم ليست غزة الأمس. لذلك فإن إسرائيل حاولت جهدها مع السلطة، حتى قبيل الإعلان. إذ ذكرت مصادر فلسطينية أن مسؤولين إسرائيلين ودوليين حاولوا، حتى اللحظة الأخيرة، ثني عباس عن الانسحاب من الاتفاقيات. فوظيفة السلطة، بالنسبة لإسرائيل، كانت القيام بالأعمال الشاقة، الصعبة، المملة، والمزعجة، نيابة عنها، برعاية 6 ملايين نسمة، في الأراضي المحتلة، منهم 4 ملايين في الضفة الغربية، و2 مليون في قطاع غزة.
معارضة داخلية وإقليمية ودولية
وتدرك الحكومة الإسرائيلية الجديدة أنها أمام أزمة داخلية وإقليمية ودولية، ستنجم عن سعيها لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة. فهناك تحفظات ضمن الإئتلاف الحكومي الجديد، من بينهم وزراء الدفاع والخارجية، وقادة عسكريون آخرون، يخشون من حالة عدم استقرار إقليمي نتيجة الضم. وفيما التقت جميع الفصائل الفسطينية على معارضة الخطوة الاسرائيلية، اتخذ العاهل الاردني موقفاً شديداً، حيث أدلى بتصريح إلى مجلة (دير شبيغل) الالمانية، قال فيه إن إقدام إسرائيل على أية خطوات بضم أجزاء من الضفة الغربية، سيؤدي إلى صدام كبير مع بلاده.
كما أن هناك حراك دولي نشط يتبلور ضد فكرة الضم. إذ يتماثل موقف بريطانيا، مع موقف الاتحاد الاوروبي، بمعارضة قرار الضم، المستند إلى صفقة القرن الأميركية. وتقود كل من فرنسا، وبلجيكا، وايرلندا، ولوكسمبورغ، واسبانيا، حراكا دبلوماسياً، لفرض عقوبات على إسرائيل إن هي أقدمت على عملية الضم. وتخشى اسرائيل كثيراً من موقف الاتحاد الأوروبي كونه أكبر شريك تجاري لها، كما تستفيد من التفضيلات التجارية، مع أكبر تكتكل اقتصادي في العالم، ومن برنامج للبحث العلمي يموله الاتحاد. أما على الصعيد الأممي، فقد انتقد المقرر المعني بحالة حقوق الإنسان في فلسطين، مايكل لينك، خطة إسرائيل لضم أراض محتلة، واصفاً الخطوة بأنها ستقضي على أي احتمال متبق لتسوية عادلة مع الفلسطينيين. وتظل إدارة ترامب هي المؤيدة لمشروع الضم، تماشياً مع ما جاء في (صفقة القرن)، التي أعلنتها واشنطن مطلع العام الجاري، والتي تلقى معارضة واسعة، إقليمياً ودولياً.
خلاصة القول: مقتل إسرائيل في رعونتها وتكبرها
يتصف الساسة الحاليون الذين يحكمون دولة الاحتلال الإسرائيلي بالتعالي والاستكبار والعجرفة، وهي صفات إن تمكنت من شخص، أو جماعة، تقود إلى إرتكاب أخطاء (فادحة)، سرعان ما تتحول إلى أخطاء (قاتلة)، في أي لحظة. وقد إزداد تهور هؤلاء المستكبرون حتى على أسيادهم، سواء بريطانيا، الذين جاءت بهم لفيفاً إلى بلادنا فلسطين، وأقامت لهم دولة، أو أمريكا التي رعتهم وتحابيهم، وهم عالة على دافع الضرائب فيها. وها هم يبيعون ميناء حيفا الاستراتيجي إلى الصين، رغم ارادة الإدارة الأمريكية، ثم يتحدون الإتحاد الأوروبي، وبريطانيا، في مسألة ضم الأراضي المحتلة. كما أنهم لا يحفظون عهداً في تعاملهم مع أقرب جيرانهم، الاردن، الذي لو غفل، للحظة واحدة، لتحولت حياة هؤلاء الغاصبين إلى عذاب وجحيم مقيم. فهل تعود المقاومة الفلسطينية من جديد؟