من مضامين حديث الملك مع دير شبيغل / 1
اللواء المتقاعد مروان العمد
23-05-2020 03:18 PM
جاءت مقابلة جلالة الملك المعظم مع جريدة دير شبيجل الألمانية بمثابة وضع النقاط على الحروف في الموقف الأردني بمواجهة وباء كورونا و التصدي لمحاولة دولة الصهاينة ضم مناطق شاسعة من اراضي الضفة الغربية اليها تنفيذا للمنحة التي قدمها لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب .
وسوف أتناول حديث جلالته في المحورين وستكون البداية فيما يتعلق بمعركة الاردن مع جائحة وباء كورونا . ولن يكون حديثي استعراضاً حرفيًا لما قاله جلالته حول هذا الموضوع بل محاولة للغوص فيما خلف كلماته وتحليلها من وجهة نظري وتطبيقها على الواقع الذي نعيشه .
ففي بداية المقابلة وجه مندوبا المجلة سؤالاً إلى جلالته عن كيفية تعامله شخصيا مع هذا الوباء ، حيث كانت إجابته بأنه يلتزم بقواعد التباعد الاجتماعي ولكنه مع ذلك يقوم بالانتقال ما بين الشمال والجنوب وزيارة الأجهزة الامنية بغرض رفع المعنويات الشعبية في مواجهة الوباء . وهذا يعني ان التباعد الاجتماعي من وجة نظر جلالته لا يعني بالمطلق إغلاق الباب بينه وبين الشعب . وفي الحقيقة فأن جلالته ومنذ الساعات الأولى لظهور هذا الوباء تصدر الصفوف الأمامية في مواجهته ومن وسط الميدان ، فهو كان دائماً يترأس اجتماعات لجنة السياسات ويقوم بإصدار توجيهاته وإرشاداته للجهات الحكومية المسؤولة عن محاربة الوباء ويشرف على عملهم ويتواجد بين جميع الأجهزة العاملة في الميدان وفي الشوارع وليس في المكاتب او من وراء حجب ، وكثيرًا ما كان يشاركهم طعامهم وشرابهم في الشوارع ويقوم بجولات على أماكن عملهم . وكما كان يتنقل من مكان الى مكان يتفقد احوال لمواطنين ويطمئن على مخزون الدولة من المواد الغذائية والتموينية ومصادر الطاقة وغيرها ويرفع معنويات الجميع ويزرع الأمل بينهم . لكن هذا الدور منوطاً فقط بمن هم في مواقع المسؤولية فيما ان الآخرين فكل ما هو مطلوب منهم هو المحافظة على التباعد الاجتماعي طالما طلب منهم المسؤولين ذلك .
وعن مدى رضاه عما حققه الاردن من إنجازات في التصدي للوباء وخاصة بعد ان حقق صفر إصابات على مدى ثمانية أيام متتالية ، اجاب جلالته ان الحكومة قامت باغلاق الحدود في وقت مبكر وتم عزل من دخلوا الاردن في فنادق وحققنا ثمانية أيام بلا إصابات وأصبح بإمكاننا ان نمد يد المساعدة للآخرين . وقال جلالته ان اي دولة في العالم لا يمكن ان تحصل على العلامة الكاملة في ادارة هذا الوباء .
وهذه رسالة مزدوجة من جلالته ، الاولى تعبر عن ثقته بما قامت به الحكومة من إجراءات لموجهة هذا الوباء منذ بدايته وخاصة وأنها تعمل تحت إشرافه المباشر وبالرغم من بعض الأخطاء والانتكاسات التي حصلت هنا أو هناك اثناء العمل ، وخصوصًا في مواجهة مثل هذا الوباء الذي لم تستطيع أي قوة في العالم حتى الان من السيطرة عليه وإلحاق الهزيمة به أو توقع حركته وخصائصه ووسائل انتشاره .
ورسالة أخرى للقلة القليلة التي نصبت نفسها ناطقة باسم الشعب وهم في حقيقتهم لا يمثلون الا أنفسهم وأحقادهم وأطماعهم الشخصية والذين ذهب بعضهم إلى انكار وجود الوباء من اساسه أو القول ان الحكومة هي المسؤولة عن ادخاله بهدف التحكم والتجبر بالمواطنين وحجرهم في منازلهم ونشر الرعب والذعر بينهم لتبرير استنزافهم ماديا وبهدف استقطاب مساعدات مالية خارجية على ظهورهم . وحتى ان البعض ذهب إلى اتهام الحكومة بأنها تعمدت ادخال السائق المصاب وأنها ساعدت في نشر الوباء من جديد بين مخالطيه أو على الأقل الادعاء بعدم صحة ارقام هذه الإصابات . متجاهلين الإصابات الكثيرة المنتشرة في جميع دول العالم . وحتى ذهب بعضهم إلى القول ان هذا الانتشار ما هو الا جزء من المؤامرة الكونية على الشعب الأردني والذي تقوده الحكومة الاردنية والهادف لتمرير صفقات سياسية في المنطقة مثل صفقة القرن وتسوية الأوضاع في كل من سورية والعراق ولبنان وكأن القوى العالمية بحاجة لأن تنشر هذا الوباء في بلدانها لتحقق هذه الأهداف والتي هي محققة اصلاً دون ان يكون لكل دول المنطقة رأي بها . ومتجاهلين ان انخفاض عدد الإصابات التي حصلت قبل ذلك هي نتيجة نجاعة الإجراءات المشددة التي اتخذتها الحكومة وبشهادة جلالة الملك المعظم مع عدم انكار ان الحكومة تتحمل مسؤولية تقصيرها في بعض الحالات وفي معالجة ملف المنافذ الحدودية وبالذات معبر العمري الحدودي والذي عاد الوباء من خلاله إلى الانتشار . هذا الملف الذي يجب كشف أسراره وتحميل مسؤولياته على من يستحق ذلك والتي اعتقد ان الكثير منها لا يعود لأسباب داخلية بل دولية خارجية ، حيث ان هذا المعبر هو بمثابة قناة سويس برية ، وبمثابة طريق دولي يربط الدول الآسيوية بالأوروبية عبر دول الخليج العربي مرورًا بالأردن ثم إلى العراق وما بعد العراق أو ألى سورية ولبنان ومن ثم عبر تركيا إلى الدول الأوربية وهو يعتبر من اهم المعابر التجارية الدولية في العالم ، والذي ليس بالإمكان اغلاقه بسهولة لاهمية التبادل التجاري الذي يجري عبره ، وليس بالإمكان تطبيق الحجر الحدودي عليه بصورة كاملة كون التصاريح الممنوحة من قبل السلطات السعودية للسائقين الأردنيين محدودة بألف وأربع مائة تصريح فقط يدخل منهم يومياً الحدود الاردنية حوالي مائتين وخمسين سائقاً ، وإذا تم وضعهم جميعا في الحجر الحدودي فأنه في اقل من أسبوع سيكون جميع السائقين الأردنيين الحاملين تصاريح دخول للسعودية في الحجر وبالتالي عدم إمكانية شركات النقل الاردنية بالقيام بالتزاماتها المسبقة . هذا بالإضافة إلى مئات الشاحنات والسائقين من جنسيات أخرى التي تعبر من هذا المعبر يومياً . وهذا الأمر يتم نتيجة ترتيبات واتفاقيات دولية وليس مجرد قرارًا أردنيًا . بالإضافة إلى انه وكما يبدوا ان هناك صعوبات واعتراضات من بعض الدول أمام العمل بأسلوب المناولة . أما إذا كان التقصير والتخبط بالإجراءات على المعبر يعود لأسباب أردنية بحتة أو تقصير بإيجاد حلول تلزم بها جميع الأطراف التي تستخدم هذا المعبر نتيجة الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم فأنه لا بد من اتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجة هذه الحالة ومحاسبة المقصرين ولا أظن ان ذلك بعيدًا عن ذهن جلالة الملك وان كنت اعتقد ان ما في ذهنه بعيدًا عن تصورات واحلام البعض لأن ما يقوم به جلالته ليس ردات افعال وأنما افعالاً مدروسة ومحسوبة وتراعي المصلحة العامة . وهنا يجب لفت الانتباه إلى ان المعابر الحدودية كانت مفتوحة منذ اليوم الأول للحجر وعلى أثر انتشار الوباء ، لاهمية المحافظة على استمرارية حركة النقل التجاري للأردن في الاتجاهين ولأهمية هذا الطريق لدول المنطقة والعالم وقد مرت فترة طويلة ولم تكن هذه المعابر وبما فيها معبر العمري تشكل أية مشكلة ولم نسمع ان احد السائقين ادخل الوباء معه الا في حالة واحدة على ما اذكر وتمت السيطرة عليها بسهولة . وكان يتم التعامل مع السائقين القادمين على أساس التزامهم بالحجر المنزلي لبضعة أيام الا ان زيادة وسرعة انتشار الوباء في دول الجوار بحيث أصبحت بأعدادا كبيرة جدا عرّض بعض سائقينا للإصابة به وكان يتم ضبط الإصابات على الحدود وتحويلها إلى المستشفيات اذاً كان اردنياًوالطلب من الباقين التزام الحجر المنزلي ، الا ان عدم التزام القلة القليلة من السائقين بهذا الحجر ادى إلى نقلهم العدوى لغيرهم بعد اصابتهم به إلى ان كانت حادثة سائق الخناصري وهي وبالرغم من جسامتها الا انها مثلت حالة فردية لا يقاس عليها ولكن تم استثمارها خير استثمار من قبل معارضي الحكومة واستخدمت كقميص عثمان ، وبنفس الوقت فشلت الحكومة باتخاذ الإجراءات المناسبة لاغلاق هذا الباب . كما انه ليس من المنطق والأخلاق شيطنة السائقين الذين يعملون عبر هذا المعبر وتحميلهم مسؤولية ادخال الوباء لأنهم قبل ذلك يقومون بتعريض أنفسهم للإصابة به واحتمال نقله لعائلاتهم في سبيل قيامهم بعملها بإيصال المستلزمات الضرورية للأردن في ظل هذه الجائحة وتصدير المنتحبات الاردنية إلى الخارج وتامين قوت يومهم وقوت عائلاتهم .
وعن تداعيات انتشار الفيروس على السياسات العالمية وعلى الامن الغذائي والصحي في العالم ، فقد اجاب جلالته ان هذا الوباء فرض حالة من عدم اليقين وعدم العدالة في العالم ، ففيما تستطيع بعض الدول تغطية احتياجاتها الغذائية مثل الدول الغربية فأن دولاً أخرى استطاعت تأمين احتياطي غذائي مريح لها مثل الاردن ، الا ان مناطق كثيرة من العالم يواجه مواطنيها خطر الموت جوعاً . وهذه دعوة من جلالته للمجتمع الدولي للتضامن والتكاثف من اجل معالجة هذه الحالة .
وعن تأثير تواجد العديد من اللاجئين في الاردن واتساع رقعة الفقر قبل الازمة واحتمال حصول اعمال احتجاجات شعبية نتيجة ذلك ، اجاب جلالته باننا نحن نعيش تحت ضغوطات اقتصادية شديدة قبل هذه الجائحة ومع ذلك فأننا نقدم للاجئين نفس الخدمات التعليمية والصحية التي نقدمها للمواطنين . وأن عمال المياومة هم الأكثر تضرراً وان أهم أولوياتنا هي كيف يمكننا تأمين دخل لهم في ظل بقاء الشركات مغلقة . وان الجيش والشرطة يعملون على إيصال الغذاء والدواء إلى مختلف المناطق السكنية ، لكن ذلك لن يكون كافيًا وسيكون لدينا ركوداً اقتصادياً لمدة عامين . وجلالته في هذا يقر انه سوف يترتب على مواجهة هذا الوباء مصاعب اقتصادية وحالة من الركود قد تمتد لعامين قادمين . ولكن هل الاردن هو الدولة الوحيدة التي تأثر اقتصاده نتيجة هذه الجائحة ام ان هذه ظاهرة عالمية اصابت العالم كله وربما اكثر بكثير مما أصابتنا ؟ وعلى عكس ما يدعي البعض ان خسائرنا الاقتصادية كانت نتيجة الإجراءات ( الغير ضرورية ) التي قامت بها الحكومة من إغلاقات للأنظمة الصناعية والتجارية والخدماتية بالإضافة إلى تعطيل عمل القطاعين العام والخاص ووسائل النقل وغيرها ، لان هذه الإجراءات كانت ضرورية في حينها مهما بلغت كلفتها . ولذا فقد كانت توجيهات جلالة الملك بعد ميل الأوضاع الى الاستقرار النسبي العودة إلى الفتح الجزئي للعديد من القطاعات مع مراعاة شروط الصحة العامة ودعوة الحكومة من الآن لدراسة الخيارات الاقتصادية ووضع الخطط والبرامج للتقليل من حالة الركود المتوقعة وتسريع الخروج منها . وأن الذين كانوا يزاودون ويطالبون بفتح جميع المرافق الاقتصادية والتجارية والخدماتية وإلغاء جميع القيود على الحركة والعمل بحجة ان الوباء غير منتشر لدينا بصورة كبيرة ، وان الاقتصاد وانقاذه هو الأهم فأنهم بذلك يتجاهلون عن حسن نية أو سوءها ان انخفاض نسبة الإصابات هي نتيجة للقيود التي اتخذتها الحكومة منذ البداية . وأنها لو لم تقم بذلك أو لو انها رفعت قيود الحجر قبل اوانها وحصلت إصابات واسعة بهذا الوباء فإنهم سيكونون اول منتقدي قيام الحكومة بذلك .
ورداً على سؤال لجريدة دير شبيجل لجلالته عن ما هو المخرج من هذه الأزمة اجاب جلالته بأن العالم الآن ليس مثلما كان عليه قبل جائحة كورونا وأنه علينا جميعاً ان ننظر إلى بعضنا نظرة مختلفة ، وقال جلالته ان هناك اتفاقيات للتكامل التجاري بين الساحلين الشرقي والغربي في الولايات المتحدة الأمريكية تمكن الولايات من تغطية احتياجاتها ، وما نحتاجه الآن هو ترتيباً مماثلاً على المستوى العالمي .أي ان الخروج من أزمات دول العالم الاقتصادية تتطلب تظافر جهود العالم لتحقيق ذلك وأنه لا يمكن لدولة واحدة ان تحقق هذا الهدف منفردة كما يطالب فطاحل الاقتصاد النظري لدينا .
وأخيرا ما اود ان أقوله حول هذا المحور فأن الغالبية العظمي من المواطنين لا زالت تدعم الإجراءات الحكومية المتشددة ، بل ان الكثيرين كانوا يطالبون بالمزيد من التشدد عند العودة لفتح القطاعات المختلفة وان يكون ذلك بصورة تدريجية ومدروسة مع الأخذ بكل الاحتياطات الصحية اللازمة وهذه الفئة هي التي قلبها على الاردن وصالح الاردن ولذا فأنهم يطالبون الحكومة بالحزم وعدم التراخي عندما يتطلب الأمر ذلك وبالانفتاح والتسهيل على المواطنين عندما تسمح الأوضاع بذلك . ويطالبون بالبعد عن أساليب الشو الاعلامي لأن الشعب اصبح قادراً على ان يعرف من الذي عمل بجد واخلاص في مواجهة هذه الجائحة ، ومن الذي ركب موجة النجاح ، ومن عمل بصمت وبعيدا عن العدسات والشاشات . ومن غاب عن الصورة بشكل كامل ولم يقم بأبسط متطلبات وواجبات وظيفته . وهذه الغالبية ترفض التسارع برفع القيود رهاناً على وعي المواطنين والذي يجب ان نواجه أنفسنا وبصراحة انه ليس متوفراً بدرجة كافية يمكن الاعتماد عليها واحداث الأيام الماضية خير دليل على ذلك ، عندما أعطيت الفرصة للمواطنين لمدة خمسة عشر ساعة على مدار يومين متتاليين للتزود بحاجاتهم من مادة الخبز بالإضافة إلى الساعات التي أعطيت لهم طوال أيام شهر رمضان المبارك للتزود بحاجتهم من المواد التموينية بما فيها حاجتهم اثناء العيد وهم يعلمون انه سيكون هنالك حظراً للتجول خلاله ولكن الاختلاف كان على ان يكون على ثلاثة أيام متفرقة ام متصلة . ثم حصل ما حصل من ازدحامات وشراء كميات كبيرة من الخبز سيقوم عمال الوطن بجمعها من جوار حاويات القمامة في الأيام التي تلي عيد الفطر السعيد . وموقف هذه الغالبية على عكس مواقف القلة من مغردي وسائل التواصل الاجتماعي وهواة عمل الفيديوهات الاقتصادية والسياسية والهزلية الناقدة والتي يسوقون فيها أنفسهم ودون طرح أي بديل عملي ولكن من خلال التلاعب بمشاعر المواطنين واحتياجاتهم لعل لقب المعالي يطرق باب منزلهم ذات مرة .
وهذه النتيجة التي توصلت اليها هي من خلال متابعاتي لما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي بعيدًا عما يقوله الذين لا يجيدون الا سلخ الوطن والذي تحول بوجهة نظرهم الا لاشيئ بل هو مجدر مكان إقامة فقط . وبعيدًا أيضًا عن استطلاعات الرأي والتي لم تعجب معارضيها ووصفوها باستطلاعات العهر لأنها لم تأتي هذه المرة كما كانوا يشتهون .
وبقي ان استعرض الشق الثاني من حديث جلالة الملك والمتعلق بما تنوي سلطات الاحتلال الصهيوني عمله من ضم مناطق من الضفة الاردنية ومنطقة الاغوار إلى كيانها المغتصب وفي مقال آخر .