facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




الملك يفعل ما يقول


م. أشرف غسان مقطش
23-05-2020 12:13 PM

مر أسبوع على تصريحات الملك لمجلة دير شبيغل الألمانية، وما زلت منشغلا بها. لقد أعدت قراءة المقابلة عدة مرات، وكثيرا ما توقفت عند بعض الكلمات ذات الدلالات السياسية العميقة والأبعاد الخطيرة.

قلما تبارحني تصريحاته التي جاءت في الذكرى السنوية الثانية والسبعين لما يسمى في أدبياتنا السياسية ب "نكبة فلسطين"، ذلك أن ذهني شارد في فحواها وسارح في مغزاها، ولا أنكر أن القلق ينتابني أحيانا؛ فالملك لا يرسل كلامه جزافا، وهو ليس من هواة الأضواء الإعلامية، ولا من محبي الظهور على أغلفة المجلات العالمية.

ولعلني لا أغالي إذا ما قلت بأن كتاب الملك الذي عنوانه (فرصتنا الأخيرة، السعي نحو السلام)، هو الوسيلة الأمثل لفهم شخصية الملك، واستكشاف باطنها، وإدراك معاني ما ينطق به لسانه غالبا من ألفاظ صريحة، وعبارات دقيقة.

والسؤال الذي احتل الحيز الأكبر من تفكيري على مدار الأسبوع المنصرم، هو: هل قصد الملك [الحرب] بِكَلِمَتَي "صدام كبير"؟ فكان الجواب يأتيني تارة "لربما نعم"، ويصلني طورا "لربما لا"، وإذ ذاك تتقاذفني الحيرة يمنة حينا ويسرة حينا آخر.

لكنني أكاد أجزم أن الفيصل بين هاتين ال"ربمتين" هو ما خطته أنامل الملك في كتابه المتقدم ذكره:

"إرتفعت أصوات في إسرائيل تحدثت عما سَمَّتْهُ "الخيار الأردني" الذي يصبح بموجبه الأردن وطنا للفلسطينيين. هذا ببساطة، لن يحدث. نحن لن نسمح به، والفلسطينيون لا يريدونه، وإسرائيل لن تستطيع أن تفرضه. وأي محاولة من هذا القببل سيكون معناها [الحرب] وتوسعة رقعة النزاع". (1)

والمنطق السياسي يقول أنه في حال قيام العدو الصهيوني بضم مغتصباته المنتشرة هنا وهناك في الضفة الغربية، وغور الأردن وشمال البحر الميت، وهذه كلها مناطق مُحْتَلَّة منذ عام (1967)؛ فإن ذلك سيؤدي ضمنا إلى الإستنتاج بأن العدو الصهيوني سيدفع بالعرب الفلسطينيين القاطنين في تلكم المناطق إلى اللجوء إلى الأردن كوطن بديل لهم وهو ما يرفضه الأردن قيادة وحكومة وشعبا إلا قلة قليلة من فئات شبيهة بشخصيات ذكرت عنها رواية (سلطانة) لمؤلفها غالب هلسا أنها كانت تُهرِّب المنتجات الفائضة عن الإنتاج الزراعي إلى الكيان الغاصب للحق العربي الفلسطيني. (2)

إن ما أستشفه من كتاب الملك هو أن الملك ليس كمثل جمال عبدالناصر ولا كمثل صدام حسين: كانا يقولان ولا يفعلان بعض الأحيان. فقد قيل أن جمال عبدالناصر قد قال ذات مرة: "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة". فإذا كان لديه من القوة شيء، لماذا لم يسترد شيئا مما أخذ بالقوة؟ وإذا لم تكن لديه قوة، فلماذا تفوه بهذه الكلمات؟ أترك الجواب لك عزيزي القارئ. أما صدام حسين فقد جعل الله عرضة في أحد أيمانه حينما قال: "والله لنخلي النار تاكل نص اسرائيل" في حال قام العدو الصهيوني بضرب "الحبايب"، ولما رمى العدوان الثلاثيني بقنابله على طول العراق وعرضه مطلع تسعينيات القرن الماضي، وجدناه يكتفي بقصف العدو الصهيوني بصواريخ تقليدية ما أحرقت نصفه ولا عشره، وشتان ما بين القول والفعل عنده في هذه الحالة.

أكاد أجزم أن العدو الصهيوني يدرك أن الملك عندما يقول يفعل، وأن العدو الصهيوني ما زال يتذكر آلام وأوجاع الكرامة، وأن العدو الصهيوني لا يجهل التاريخ القديم بين الأردن -حينما كان جزء منه يُعْرَف بمملكة موآب- وبينه -حينما كان جزء منه يُعْرَف بمملكة إسرائيل- في غابر الأزمان؛ حينئذ أباد ميشع ملك موآب مملكة إسرائيل انتقاما لملكها ابن عِمْري الذي قال: "سأضطهد موآب" (3)

ولا ينسى العدو الصهيوني الرسالة الشديدة اللهجة التي وجهها الملك حسين للنتن ياهو في التاسع من آذار عام (1997) عندما كان الأخير يهم ببناء المزيد من المغتصبات فوق ثرى القدس، وقال فيها مما تُرْجِم عن رسالته: "إن الحقيقة المرة التي تتراءى لي هو أنني لا أجد فيك شخصاً يقف بجانبي لتنفيذ إرادة الله سبحانه وتعالى لتحقيق مصالحة نهائية بين كافة أحفاد إبراهيم عليه السلام".

يخشى الملك إنهيار السلطة الوطنية الفلسطينية لأن من تداعيات ذلك: التطرف والفوضى.

وفيما جرى للعراق من بعد انهيار حكم صدام حسين عبرة لن ينساها الملك من جهة التطرف كنتيجة من نتائجه. أما من جهة الفوضى، فهي تلك الناجمة عن تشريد الفلسطينيين وما يحمل ذلك من تبعات كارثية على الشعب العربي الفلسطيني الذي سيتعرض حينها للتشوه وفي الوقت عينه سيمارس التشوه، وهو ما عبر عنه الناقد الأدبي سليمان الأزرعي، إذ يقول:

"لقد عبر الفلسطينيون طريق الشتات، ليجتمع القسم الأكبر منهم في مخيمات شرقي الأردن. وفي ظروف لا إنسانية تُفْقِدُ الكبير كرامته والصغير طفولته. وتحيل الجميع إلى كائنات مقاتلة من أجل الحياة صغارها وكبارها.. يعرفون التشوه الذي يلحق بهم. لكنهم يمارسونه دفاعا عن الحياة وخشية الموت. الموت الحقيقي.. يمارسونه بشكل جارح ويحتملونه بقوة الإرادة وغريزية الحياة". (4)

والحق إن أكثر ما يثير غضب الملك هو تقويض فرص السلام الشامل، لعدة أسباب منها على سبيل المثال لا الحصر معادلة بسيطة تشير إلى أنه كلما قلت فرص السلام زادت أرصدة المتطرفين، وبالتالي يرتفع منسوب الإرهاب، وهو أكثر ما يبغضه الملك من الحرب نفسها.

ولهذا السبب ولغيره من الأسباب، وجدنا الملك دؤوبا في السعي نحو السلام الشامل القائم على قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة أو قابلة للحياة -كما عبر في كتابه السالف ذكره- على حدود عام (1967) مع تبادل طفيف للأراضي هنا وهناك، وعاصمتها القدس الشرقية. ثم يأتي من على شاكلة النتن ياهو يريد نسف كل تلك الجهود بضربة واحدة مستغلا الفرصة السانحة التي يمنحها له ترامب.

سألني أحد الأصدقاء: "هل لي أن أفهم أنك مقتنع بأن الأردن قادر على الرد؟" أجبته: "أنا مقتتع بكل كلمة حكاها الملك"، وأوضحت له في سياق الحديث بأن الملك واقعي وبرغماتي، يعرف نقاط قوة الأردن ويدرك نقاط ضعفها.

تظن الغالبية من العرب أن العدو الصهيوني قادر على أن يفعل ما يشاء دون أدنى إهتمام للمجتمع الدولي ودونما أقل احترام لما يسمى ب "الشرعية الدولية"، وهذا ظن في محله في وجه من الوجوه لكن ليس في كل الوجوه متى أشرقت الشمس وأينما غابت.

لو كان العدو الصهيوني دوما ضاربا بعرض الحائط لكل ما يخالف مصالحه لما تقبل على مضض قرار الأردن بإنهاء العمل بملحقي الغمر والباقورة.

الملك لا يريد الحرب، ولعل أكثر ما يكرهه الملك إن لم أخطئ فيما أستنتجه من خلال كتابه، شيئين هما: الإرهاب، والحرب. لكن إذا تسبب العدو الصهيوني بأي "صدام كبير" مع الأردن نتيجة خروقاته الرعناء لما يدعى ب"الشرعية الدولية"؛ فالملك مستعد لإعلان الحرب.

حواشي المقال:
(1): كتاب (فرصتنا الأخيرة، السعي نحو السلام)، لمؤلفه الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، الطبعة الأولى (2011)، دار الساقي، ص(409).

(2): كتاب (الرواية الجديدة في الأردن)، لمؤلفه سليمان الأزرعي، الطبعة العربية الأولى (1997)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص(136).

(3): كتاب (الأردن تاريخ وحضارة آثار)، لمؤلفه أ. لويس مخلوف، الطبعة الأولى (1982)، ص(155-157):

(4): كتاب (الرواية الجديدة في الأردن)، لمؤلفه سليمان الأزرعي، الطبعة العربية الأولى (1997)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص(202).





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :