"الفرصة الرقمية" ما زالت قائمة
د. بهاء الدين الخصاونة
22-05-2020 01:34 AM
منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات مضت كنت قد دعوت وفي اكثر من مناسبة الى إستغلال المرحلة والحالة التكنولوجية التي نمر بها نحن والعالم اجمع. والتي تتسم بتسارع غير مسبوق في التطور التقني وتزايد في إعتماد كثير من القطاعات الإقتصادية في اعمالها على التكنولوجيا وخاصة تلك المبنية على الإنترنت، اضافة لزيادة القبول عند مستخدمي هذه التكنولوجيات للمبادىء الحديثة التي صاحبت هذه الطفرة التكنولوجية. فمنذ ما يزيد عن عقد من الزمن والعالم يمر بمرحلة "الفرصة الرقمية"، والتي لا أعتقد انها ستتكرر مرة اخرى. والأردن المنفتح على كل ما هو جديد, استشرف المستقبل وتبنى كثير من المبادرات والخطوات لإستغلال هذه الفرصة وتحقيق نقلة اقتصادية وعلمية ومعرفية في عالم تكنولوجيا المعلومات. ولكن للأسف لم نشاهد تلك النقلة او جزء من الأهداف المأمولة. فلا بد ان يستفيد الأردن من هذه الفرصة والإ بقي خلف الركب يحاول اللحاق بدول اقتنصت الحالة وانتقلت بمجتمعاتها نقلة حضارية متميزة.
ولهذه "الفرصة الرقمية" بالأردن معالم واضحة واسباب نجاح اذا ما تم استثمارها فهي كفيلة بنقل الأردن نقلة نوعية ذات مردود إقتصادي وإجتماعي نوعي. ومن اهم هذه المعالم : اولاً، يتميز الأردن بأنه دولة فتية، و يمثل الشباب ضمن الفئة العمرية الأقل من 30 عامًا حوالي ثلثيعدد سكانه وغالبيتهم لديها شغف عاليللتكنولوجيا والتغيير،كما ان ريادة الأعمال هي قيمة حقيقية لديهم. ثانياً، وجود بنية تحتية لشبكات الإنترنت والأتصال السلكي و اللاسلكي وشبكة الألياف الضوئية والتي بمجموعها تغطي كافة مناطق المملكة وقادرة على ايصال خدماتها لكل المواطنين على اختلاف اماكن تواجدهم. ثالثاً، وهي على درجة عالية من الأهمية وتتمثل بالمنظومة التعليمية على المستوى الألزامي او التعليم الجامعي العالي او التطبيقي. فقد تبنت هذه المنظومة ادخال تكنولوجيا المعلومات كمساقات ولكافة المستويات والتخصصات،واصبحت معاهدنا وجامعاتنا تخرج اعداد كبيرة من المتخصصين بمجالات تقنية عالية المستوى كما انها تواكب التطورات بإدراج العلوم الحديثة مثل علم البيانات والذكاء الإصطناعي والأمن السيبراني والتسويق الألكتروني رافدة بذلك السوق المحلي والإقليمي بكفاءات متميزة. ولعل الدعم الملكي المباشر هو من اهم معالم هذه الفرصة محلياً، والذي تمثل منذ البدايات بدعوة لتبني تكنولوجيا المعلوماتكخيارإقتصادي واستراتيجي والمتابعة الحثيثة لجلالة الملك لجلب الإستثمارات الخارجية وتشجبع القطاع الخاص لإخذ دوره الحقيقي ومن خلال الكثير من المبادرات الهادفة لجعل الأردن مركزاً اقليمياً وعالمياً في صناعة وتطوير البرمجيات .
اما وبعد مرور ما يقارب عقدين من تبني استراتيجيات للتحول الرقمي، وبالرغم من ان ما تم انجازه على ارض الواقع هو بكل تأكيد لا يستهان به، حيث وصلت اشتراكاتالإنترنت للموبايل برودباند نسبة 95.6 % من سكان الأردن وبأن 89 % من الأسر الأردنية يتوافر لديها اشتراك إنترنت وأن حوالي 90 % من الأسر يتوافر لدى أحد أفرادها هاتف خلوي ذكي. كما تتوافر بعض الخدمات الإلكترونية للقطاعين الحكومي والخاص المتناثرة دون ان تشكل منظومة حكومة إلكترونية حقيقية. الإ ان هذا ليس قريب مما كنا نأمله كدولة كانت دوماً في مقدمة دول المنطقة في التطور الإداري والتقني والتعليمي. لذلك لا بد من إعادة النظر بإستراتيجيات الحكومة الإلكترونية وإستراتيجيات التحول الرقمي ومراجعة الإسباب التي أدت لتأخرنا بهذا المجال بهدوء وتصميم لإنجاز المتطلبات الأساسية للبنية التحتية الشاملة والتوعية والتدريب وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص. وبناء نموذج عملي بسيط قابل للتطور والزيادة عليه، وبخطوات تكاملية مدروسة يواكبها تعديلات تشريعية قادرة على التكيف مع تطورات التكنولوجيا المتسارعة.
ان ما لمسناه خلال جائحة فيروس الكورونا من قبول لا بل ومطالبة مجتمعية كبيرة لإستخدام تكنولوجيا المعلومات ولفكرة التجارة الإلكترونية والخدمات المبنية على الإنترنت والتعليم عن بعد, لهو دليل قوي على ان الأردن لديه القدرة والموارد والشغف لإحداث نقلة تقنية نوعية مستفيداً من هذه الفرصة ومسخراً لكامل امكانياته للإنتقال الى مرحلة رقمية ومعرفية قادرة على بناء اقتصاد رقمي حقيقي.