ما ثمن مواقف الاردن المتشددة ازاء محاولة تنفيذ صفقة القرن؟
د.بكر خازر المجالي
22-05-2020 12:30 AM
*مع تصاعد وتيرة ازمة صفقة القرن.. لماذا كان؟ وماذا سيكون؟ وماذا سنفعل؟
موقف حازم من جلالة الملك عبدالله الثاني إزاء التصريحات الاسرائيلية للسير في تنفيذ صفقة القرن من جانب واحد ، والاعلان عن نية ضم الضفة الغربية في الشهر القادم ،وبالتالي ما الذي سيتبقى كأرض لدولة فلسطينية عدا قطاع غزة ، بمعنى ان ثلثي فلسطين قد تم أسرلتها ،اذا اعتبرنا ان فلسطين التاريخية ثلاثة اقسام هي الضفة ،وفلسطين المحتلة، وقطاع غزة .
ربما نعيش نكبة جديدة في زمن ذكرى نكبة فلسطين 48 ، والمتابع لتاريخها وما يُكتب حولها نرى ان ذلك في معظمه هو اتهامات بالجملة موجهة على الاغلب للاردن متناسين دور جيشه العربي في القتال والحفاظ على مناطق استراتيجية ، خاصة مداخل باب الواد الغربية ، وتطهير القدس العربية والقديمة من أي يهودي ، في الوقت الذي لا نشعر ان لدينا إعلاما رسميا يضخ المعلومات والافلام والتحليل والدراسات لمواجهة سيل الاتهام المتدفق الذي ينكر كل جهود الاردن وتضحياته التي كانت على الاقل ان الاردن قدم حوالي 400 شهيد في حرب عام 1948 .
اليوم نعود الى مواجهة نكبة القرن ،
نعود الى حقيقة التاريخ في ظل سياسة الاردن التسامحية بدرجة مذهلة ، والتي تنسى كل الخناجر في خاصرتها ،وتأبى الا ان تكون في صف النضال العربي وفي صف الحق الفلسطيني بدولته ،والوقوف معه ضد سياسات الابتلاع والضم ،ولكن التاريخ الحقيقي في الستينات والسبعينات والثمانينات هو تاريخ العقوق العربي ازاء كل ما هو اردني ، وكان التتويج الذي تدرج منذ أحداث السبعين الى اجبار الاردن على قرار فك الارتباط ، والمعنى الذي أراده الكثيرون هو طرد الاردن من ساحة القضية الفلسطينية ومسح اية علاقة له بها ، ولسان حالهم يقول اننا لا نرغب في الاردن مطلقا في ان يكون طرفا بأي مسألة تخص فلسطين ، ومارست منظمات اقليمية هذا المبدأ بترجمته في اقصاء الاردن عن كل لجان القدس وفلسطين . ورغم كل هذا العقوق بقي الاردن متمسكا بمواقفه وأصر في اتفاقية وادي عربة على استمرار مسؤوليته عن المسجد الاقصى المبارك والمقدسات.
اليوم نصل الى منعطف خطير ، بعد فشل كل محاولات الحل ،وبعد ان وصلنا الى مرحلة صعبة تشهد انشقاقا فلسطينيا ،واستمرار العقوق العربي تجاه الاردن ،وتغير جذري في مواقف العديد من البلدان العربية والتحول في الموقف مع فلسطين،يجد الاردن نفسه يمارس دوره الطبيعي والتاريخي الذي ما تغير رغم الضغط والتضييق لأن يخرج من الساحة الفلسطينية، يجد الاردن انه من منطلق مسؤليته التاريخية والاخلاقية والوحدة الطبيعية الشعبية والجغرافية الاردنية الفلسطينية ،يجد نفسه مسؤولا في التصدي للمخطط الاسرائيلي والوقوف الى جانب السلطة الوطنية الفلسطينية في محاولة التأثير على الرأي العام العالمي وعلى الهيئات الدولية لوقف مخطط صفقة القرن ، التي تجعل المنطقة كثبان رمل برياح لولبية لا تظهر معالم الحدود فيها ،مع الغاء مفهوم الارض والتركيز على البشر كبضاعة قابلة للاستيراد والتصدير .
ان الوصول الى خطاب قاس لا يتردد بالغاء بعض من بنود اتفاقية السلام مع اسرائيل ، هو بحد ذاته خطوة لا يمكن التكهن بالمدى الذي ستصل اليه ،اذا اعتبرنا ان اسرائيل لن تتردد باتخاذ خطوات مضادة قد تمس بالوضع الخاص للاردن في القدس اولا ، وباتفاق الباقورة والغمر ، بمعنى تهديد مصالح اردنية حيوية ، وهنا من سيقف الى جانب الاردن في هذه الحالة ؟ وهل سيدفع الاردن مجددا ثمنا لصلابة مواقفه الشجاعة ؟ ونتساءل اين هي دول العقوق التي اسهمت بسلخ الضفة الغربية من الغطاء الاردني القانوني الشرعي الدولي لتضعها في مهب الريح وكأنني اعود الى كلمات المغفور له الحسين طيب الله ثراه حين قال مخاطبا العرب في قمة الرباط السابعة بتاريخ 26 تشرين الاول 1974 :
"واذا كانوا يريدون هذه الصفة الشرعية منحصرة في منظمة التحرير الفلسطينية وحدها ،فانني باسم المملكة الاردنية الهاشمية أُحَمِّلَهُم وحدهم مسؤولية رأيهم وقرارهم ولكل النتائج المترتبة عليه."
وقد اراد العرب هذه الصفة الجديدة ، وتم إحالة اوراق القضية الفلسطينية لمنظمة التحرير الفلسطينية،وتحقق فك الارتباط القانوني والاداري كما اراده العرب ، وتحدث الأردن ان الاجراء هذا هو بناء على رغبة الاخوة الفلسطينيين ومن اجل تحقيق مصالحهم ، ولكن في خطاب فك الارتباط بتاريخ 31 تموز 1988 قال الحسين رحمه الله :
"ان الاردن طرف رئيسي في النزاع العربي الاسرائيلي وفي مسيرة السلام وهو يتحمل مسؤولياته الوطنية والقومية على هذا الاساس."
جاء هذا الكلام ليدرك من وراء قرار فك الارتباط أن الاردن لم ولن يتخلَ عن واجباته القومية العروبية من اجل فلسطين، ويواصل اسنادها المباشر في نشر بعض المستشفيات وفي قطاع البنوك وتسهيلات التنقل وادامة العلاقة بين الاهالي في الضفة والقطاع وع اهلهم في شرق الاردن وغيرها، ولا فرق بين الضفة والقطاع ، ذك خلاف من ينتهز فقط ويتآمر ليس الا، دون ان يكون له مسمار في القدس او شقفة بلاط او قطعة سجاد في ارض أقصاها ، ولكن مع ظهور جائحة صفقة القرن والاصرار على تنفيذها ، وكعادته، فقد وقف الاردن مخاطرا بمصالحه من اجل نصرة الموقف الفلسطيني ،
قبل عام من الان ،في 16 نيسان 2019، قال جلالة الملك عبدالله الثاني "لن يقبل الاردن بأن يُمَارَسَ عليه أي ضغط بسبب مواقفه من القضية الفلسطينية والقدس "
وفي تلك الفترة جابت مدن المملكة مسيرات منددة بصفقة القرن، ومؤيدة لموقف جلالة الملك ،ومناصرة لوقفة الشعب الفلسطيني، واليوم تشتد وتيرة الازمة ، وندخل في حالة صدام فعلي اذا ما أقدمت اسرائيل على خطوات صفقوية ، وكانت رسالة جلالة الملك واضحة خلال مقابلة مجلة دير شبيغل مع جلالته في يوم 15 أيار 2020 حين قال جلالته : " إذا ما ضمّت إسرائيل بالفعل أجزاءً من الضفة الغربية في تموز، فإن ذلك سيؤدي إلى صِدام كبير مع المملكة الأردنية الهاشمية" ويضيف جلالته مؤكدا على حل الدولتين ومحذرا من الذين ينادون بحل الدولة الواحدة " القادة الذين يدعون لحل الدولة الواحدة لا يعلمون تبعاته، ماذا سيحصل إذا انهارت السلطة الوطنية الفلسطينية؟ سنشهد مزيدا من الفوضى والتطرف في المنطقة.. " ويضيف جلالته " لا أريد أن أطلق التهديدات أو أن أهيئ جواً للخلاف والمشاحنات، ولكننا ندرس جميع الخيارات. ونحن نتفق مع بلدان كثيرة في أوروبا والمجتمع الدولي على أن قانون القوة لا يجب أن يطبّق في الشرق الأوسط."
بعد كل هذا، فان تناول احداث اليوم لا يمكن ان نعزلها عن سياقها التاريخي ، لندرك ان اول اصابة وقعت في هذه الجائحة كانت يوم إجبار الاردن على قرار فك الارتباط ، وعزل القضية الفلسطينية عن غطائها القانوني والشرعي ، وللآن لم تصل الابحاث لاي لقاح ضد جائحة القرن، حيث يمضي العدو في الانتشار الوبائي واستحواذ الارض ، نحن نتحدث بشكل علمي ، وما وصلنا اليه اليوم انما هي خطة كانت قبل اكثر من نصف قرن ، حتى وصلنا الى صفقة القرن هذه، والتي ربما نسقط جائحة كورونا على الوضع والذي لا يمكن ابدا ان يكون محل انتهاز لتنفيذ مخطط يهدم مؤسسات ويشتت سكان واصحاب ارض ،
على افتراض المضي في تنفيذ مخطط صفقة القرن ؛ ما الذي لدينا من قوة لوقف المخطط ؟ هل نعود الى قصة تقسيم فلسطين عام 1947 حين فشلنا في مقاومته سياسيا وعسكريا وتم تنفيذ التقسيم مع خسارة اضافية من ارض فلسطين بلغت 22% ؟ هل نعود الى قصة اللد والرملة في حرب فلسطين عام 1948 ايضا حين حشد العدو قواتا كثيفة لاحتلالها وكان القرار العربي هو الانسحاب واخلاء اللد والرملة فورا، لان الهزيمة حتمية امام العدو، وهذا سيعني احتلال العدو لاكبر قدر من الاراضي والقرى الفلسطينية اضافة الى اللد والرملة ، وقرار الانسحاب هو بتحديد وحصر الخسارة في منطقة محددة . وكذلك الأمر حين انقاد العرب الى محادثات رودس عام 1949 م.
والان امام مخطط تنفيذ صفقة القرن :
اين هي اصوات العقوق العربي في الستينات والسبعينات من مناصرة فلسطين عمليا وواقعيا ؟
اين هي القوة " الكتلة " العربية في مواجهة القوة المعادية ؟
ما تأثير انهيار سوق النفط وخلخلة الاقتصاد العربي على الموقف ؟
كيف أثرت جائحة كورونا على الموقف بشكل عام واثرت في الأولويات السياسية والاقتصادية ؟
ما هو صدى الصوت الفلسطيني بالتهديد بحل السلطة ؟
اين هي الهوية النضالية الفلسطينية التي هي حصان الرهان الان ؟
هل يدرك الاردن انه صاحب التصريحات الاشد تطرفا وبقوة وبشجاعة ولكن ما النتيجة فيما بعد ؟
هل يدرك الاردن انه بعد 72 سنة من حرب فلسطين ان تضحياته وشهدائه ومواقف جيشه البطولية لا زالت موقف تجاهل وتنكر عند البعض ؟
أين هم العرب الذين دخل كثيرا منهم في علاقات مع اسرائيل ؟
نحن امام مرحلة حرجة ودقيقة لا مجال فيها الا ان نبسط على الطاولة كل مواد التاريخ بدقائقها وبمصداقية وموضوعية وشفافية منذ بدء النكبة على الاقل الى الان، لنعرف ان التاريخ يمكنه ان يكون قاضيا عادلا في تحديد المسؤوليات الكارثية التي حلت بالعرب .
ونحن لا نريد ان نستسلم للتاريخ وما افرزه بقدر ان نعالج الحاضر بنجاح
من وقفات التاريخ أيضا ان جلالة الملك عبدالله الثاني يشدد دائما على ان القدس خط احمر ، ومن ثم كان توقيع الوصاية الهاشمية في 30 آذار عام 2013 ، ولكن من قراءة ما بين الكواليس، كانت بعض الاصوات تريد نقل الوصاية الاردنية الى طرف ثالث ، وربما ليس للحفاظ على المقدسات بل للتخلص من التعنت الاردني وتشدده في علاقته التاريخية في المسجد الاقصى، نقل الوصاية الى جهة اخرى يسهل عندها ان يصبح المسجد الاقصى جزءا من بلدية القدس ووزارة الاديان الاسرائيلية ومن ثم يتبع ذلك كل اجراءات التهويد والأسرلة . .
تصريحات جلالة الملك عبدالله الثاني أبهرت العالم ، بل وجعلنا نشعر نحن امام مسؤوليات دقيقة تنتظرنا ، ولن يكون الامر بلا تضحيات ، ولدينا من نقاط القوة ،ولكن غيرنا لديه مما قد يحرجنا نحن ، الا اذا كان هذا الامر بالحسابات القادمة ، ولعل التصريح الاسرائيلي عبر قناة عبرية بأن الملك عبدالله الثاني قد يقدم على خطوات ضد اسرائيل اقلها تخفيض التمثيل الديبلوماسي، ولكن تذهب الى تحليلات بعيدة كارثية ،ومن هنا مثلما نقرأ اعلامنا وما يقول علينا ان نفهم عقلية الاخر، وان نختار طريقنا بعناية حتى تبقى القدس عربية والاقصى ضمن الوصاية الهاشمية وأن لا نسير بمهرجان خسائر جديد بلا حدود ..