من أسمى الرموز التي تعبر عن وطننا "العلم"، وميزة هذا الرمز الوطني أنه يحمل إرثاً متجذراً وموصولاً بأدوار التحرر العربي كافة.
ويأتي احتفالنا بعيد الاستقلال هذا العام، في صورة تحمل دلالة اعتزاز، برفعه عالياً على مختلف المباني الرسمية والمنازل والمحال وغيرها من الأماكن العامة.
وفي تاريخ علمنا الأردني، نقرأ بداية ارتباطه بإرث الثورة العربية الكبرى، حيث نشرت جريدة القبلة بعددها الصادر بتاريخ 28 أيار 1917م، إرادة سنية باعتماد راية الدولة الهاشمية.
ونصت الإرادة "بأن تكون راية الدولة الهاشمية مؤلفة من الألوان الثلاث المتوازية الأسود فالأخضر فالأبيض وأن يشمل الألوان الثلاث مثلث ذو لون أحمر عنابي."
وبينت "القبلة" أنّ اللون الأسود رمز راية العقاب وهي راية النبي – صلى االله عليه وسلم – المشهورة التي كان يتبرك كبار أصحابة رضوان االله عليهم بحملها في حروبهم
وهي التي أشار إليها أمير المؤمنين علي - كرم االله وجهه- بقوله عندما خاض (حصين بن المنذر ) بهذه الراية المباركة :
لمن راية سوداء تخفق ظلها.. إذا قيل قدمها حصين تقدما
ويقدمها الموت حتى يزيرها .. حياض المنايا تقطر الموت و الدما
كما اتخذت دولة بني العباس السواد شعاراً لها حتى عرفت به وعرف بها .
واللون الأخضر الذي بين السواد والبياض هو الشعار الذي اشتهر عن أهل البيت عليهم السلام منذ أحقاب طويلة ، والبياض أيضاً كان شعار للعرب في دور من أدوراهم .
أما اللون الأحمر الذي شمل هذه الرموز الثلاثة يشكل مثلث فهو لون الأسرة المالكة الكريمة من عهد جدها ساكن الجنان الشريف أبي نمي إلى عهدنا هذا .
وبهذا جمعت الراية الجديدة رموز الاستقلال العربي في كل أدواره التاريخية وبوشر برفعها من تاريخ الإرادة السنية.
وقد جاءت هذه الراية بتوافقٍ ما بين القوميين والشريف حسين بن علي، ذلك أن الشريف حسين بن علي حين تبنى اقتراح القوميين العرب برفع علم الثورة فانه استخدم اللون الأحمر العنابي في زاوية العلم ليكون منه في موضع القلب .
وأنشد الشعراء تحايا للراية الجليلة التي امتدت في ظلالها إلى حواضر عربية وصلت إلى بيروت وحلب ودمشق وعمّان وبغداد.
الكوكب السباعي الذي يتوسط مثلث "علمنا" الأردني جاء كتعبير عن دول الثورة العربية الكبرى، وهو علم المملكة العربية السورية "مملكة فيصل" حيث أضيف كتعبير عن أولى الدول التي نشأت إثرها، فيما كان اللون اللون الأخضر بالمنتصف وفي الأسفل الأبيض.
ومع نشأة الدولة الأردنية وحمل لواء الثورة العربية وإرث خطابها اعتمد العلم الأردني بنفس الدلالات.
ونص القانون الأساسي عام 1928م، على ما يلي: "تكون راية شرق الأردن على الشكل والمقاييس التالية: طولها ضعف عرضها وتقسم أفقياً إلى ثلاث قطع متساوية متوازية، العليا منها سوداء والوسطى بيضاء والسفلى خضراء يوضع عليها مثلث أحمر قاتم من ناحية السارية قاعدته مساوية لعرض الراية والارتفاع مساوٍ لنصف طولها، وفي المثلث كوكب أبيض مسبع حجمه مما يمكن أن تستوعبه دائرة قطرها واحد من أربعة عشر من طول الراية وهو موضوع بحيث يكون وسطه عند نقطة تقاطع الخطوط بين زوايا المثلث وبحيث يكون المحور المار من أحد الرؤوس موازياً لقاعدة المثلث".
وبقي هذا النص ثابتاً ثبوت المبدأ الأردني ومعبراً عن وجدان الأردنيين وإرثهم العربي الموصول.
ونحن اليوم نرفع العلم الأردني علينا أن نستحضر دلالاته الملهمة التي يزيد عمرها عن مئات السنين.