يحار المرء بين الحين والآخر، في تفسير ما بجعبة الحكومة من قرارات تتخذها تحت ذريعة حماية المواطنين من شرور الوباء اللعين، وفي اليوم التالي نرى نقيضا لقرارها لا يمت لسابقه بصلة.
وزير الصحة صرح في وقت سابق، أننا نستطيع تسجل أصفار حالات من جديد عقب قصة سائق الخناصري، وتحدث بلغة ملؤها الثقة والحماسة أسهمت في رفع معنوياتنا، سرعان ما تبددت بعد ما شهدناه في الآونة الأخيرة، من تزايد في الأعداد، وأن واقع الحال يشي بما لا يبشر بالخير لا قدر الله، من أن الوباء ينشط من جديد داخل حدود مملكتنا.
أمام هذه المعادلة الصحية التي تداخلت حكما بالاقتصادية، بات لزاما على الحكومة أن توازن بين المعادلتين، وأن تعمل على إعادة الحياة تدريجيا الى العمل كما أعلنت في وقت سابق، كي تعود الحياة إلى طبيعتها، ضمن مراعاة أسس ومعايير الصحة والسلامة العامة المتعارف عليها، وهذا أمر لا خلاف عليه ما دام يصب في دفع عجلة الإنتاج ويحمي اقتصادنا من مآلات لا يحمد عقباها.
بالضرورة أن قرار الحكومة القاضي بفرض الحظر الشامل أيام العيد لم يرُق للكثيرين الذين يجدون متسعا من الوقت لصلة الرحم وزيارة الأقارب والأصدقاء، وهنا بيت القصيد ومكمن الخطر، إذ جاء قرار فرض الحظر للتخفيف ما أمكن من خطر المخالطة أيام العيد، وما يتلوه من تقارب اجتماعي وتقاليد عائلية لا مفر منها، في مثل هذه المناسبات الكريمة، لكن ما يدعو إلى الاستغراب والاستهجان، قرار تمديد الحظر على مدى يومين متتاليين إلى الحادية عشرة مساء لغايات التسوق وشراء كسوة العيد، التي سيكون مآلها "الاستخدام" مع وقف التنفيذ، الا اذا كان القرار غايته صالح التجار بذريعة إنعاش حركة التسوق، لتنسف كل ما تنادي به الحكومة وتناقض نفسها، إذ أنها بقرارها ستعزز من فرص المخالطة، ولن تترجم ما تدعو اليه وتسعى إلى تكريسه من مفاهيم صحية، يتماشى وفكرة فرض حظر خلال العيد!!
يبدو أن النزق بات السمة الغالبة بعد أن تسلل إلى أفراد الطاقم الحكومي، ولم تعد تعمل السلطة التنفيذية بروح الفريق الواحد كما كانت في بداية الأزمة، شأنهم في هذا شأن العامة الذي لكل منهم رأيه وموقفه من الحظر، وغيره من الإجراءات المرافقة التي باتت في بعض منها يشوبها الغموض وعدم الشفافية.
لم تكن الحكومة موفقة في قرار تمديد الحظر ليومين إلى الحادية عشرة بدلا من السابعة ليلا، وبخاصة أن استطلاعا سابقا كشف أن أغلبية المواطنين مع فكرة الإبقاء على الحظر، بكونه الوسيلة الفضلى التي تحفظ أمن المجتمع وسلامته من هذا الوباء.
يبدو أن حكومتنا ترجمت المثل الشعبي وجعلت منه واقعا، حكومة خيّرة "بتقول وبتغير".
سياسة إمساك العصا من النصف، لا تصلح في كل الأزمنة، في وقت باتت فيه الاستدارة إلى الخلف أو الميل يمنة ويسرة حسب اتجاه الريح غير مواتية أو مقبولة.
إرضاء "الجميع" غاية لا تدرك، وعلى الحكومة أن تصنع قراراتها بعيدا عن الشعبوية، وأن يكون محركها مصلحة الوطن والمواطن قبل الالتفات إلى أي أمر آخر.