وان للقضاء لهيبة، و ان لهيبة للقاضي جالسا معتدلا حاضرا في محرابه ذي الجلال، تهز أركان الحاضرين، تسدل عليهم رداء الاحترام.
فيا له من مكان عظيم ذي وقار، ذلك القصر الذي تترجم فيه العدالة وتبرز كاهم قيمة في الحياة.
فهذا اللباس الذي يرتديه القاضي والمحامي ليس مجرد قطعة قماش، بل هو عنوان الاعتراف بجلال الموقف، وعظمة الفرق بين ان تكون هناك امة مميزة بالعدل و بين أمة يأكل فيها القوي الضعيف و الغني الفقير و صاحب الحظوة قليل الشأن بائس الحال.
لحضور القاضي منفردا او مع صحبه من القضاة، ولوقوف المحامي أمامه ينتظر دوره في تجلية الحق و اعلاءه على باطل اراده مزيف ان
يسود، و لافتتاح الجلسة و الصمت الرهيب، قبيل ان تتحرك شفاه القاضي معلنة ان الحق يعلو ولا يعلى عليه، كل ذلك يتجلى بمكان ذي هيبة منعكسا على أوصال الإنسان أن ينطق بالحق، مدعيا كان او مشتكيا او شاهدا او محاميا.
لا تنزعوا عن القضاء رداء الجلال والوقار.
دعوا القاضي ينظر بعين الفاحص الحصيف في عين الشاهد وهو يضع يده على كتاب الله، ويسبر غور صدره وهو يدلي بشهادته.
و لينظر القاضي في وجه المحامي ولغة جسده وهو يقلب الأمر على وجوهه.
لا أحد ضد التحديث والتطوير و استخدام التكنولوجيا، ولكن لنسأل اولا وقبل اي شيء، هل كان في عقل كليات الحقوق المختلفة، ان تعد قانونيين لهذا النوع من التقاضي؟
كليات الحقوق هذه، هي التي تخرج المشرع والقاضي والمحامي، فعدم التمكن من التكنولوجيا ليس مقصورا على المحامين فقط.
ان أرادت الدولة التحول والانتقال إلى التقاضي عن بعد، فلا بد من تدريب العاملين في السلك الأهم على الاطلاق في أية دولة على وجه المعمورة.
الاعداد والتدرب على هذا النمط من التقاضي، يحتاج لوقت طويل، حتى يتمكن كل العاملين من استخدام التكنولوجيا على أصح وجه وحتى يعتاد المتقاضون أنفسهم على بناء الثقة بهذا النمط الجديد.
وايضا، لنعطي فرصة لكل دارسي تكنولوجيا المعلومات و البرمجيات الوطنيين لوضع البرامج المناسبة لبلادنا وتشريعاتنا، لا ان نعطي فرصة لتاجر يشتري لنا البرامج الأجنبية ليتربح على حساب دولتنا وعدل قضاءها.
ان هذا المقترح، لأهمية موضوعه وهو القضاء، يجب أن يخضع لدراسة مطولة، يقوم بها المحامون من خلال نقابتهم ورئيسها ويشتركون بذلك مع وزارة العدل والمحاكم والجامعات والمجالس القضائية.
نحن هنا بصدد الحديث في أكثر الأمور أهمية وحساسية و قيمة وهو العدل، ولسنا في معرض صنع صحن من سلطة الخضار يعده اي حامل سكين مثلوم.
فالمتصدي لأمر بهذا الحجم لا بد أن يكون سيفه قاطع فاصل بتار، والا اطعمنا مع صحنه دما يسيل من أصبعه.
من هنا... نقول :-
في كل الاحوال فانه لايمكن الاستغناء عن مبدئي العلانية والحضور في المحاكمات القضائية ولا يمكن تقبل الاحتكام للحاسوب في اصدار الاحكام او اجراء المحاكمة القضائية في مجال افتراضي بشكل سري وكتابي وغيابي.
وبالتناوب، الاسراع نحو وباتجاه فكرة التقاضي عن بعد؛ هو وان كان يحمل في ظاهره جماليات وشعارات براقة كتقصير امد التقاضي والاسراع في اجراءات التقاضي ..ومواجهة الازمات كالأوبئة مثل فيروس كورونا وغيرها ...الا انه هو لخدمة فكرة العولمة( التي نحن فيها الطرف الأضعف) فنحن في العولمة متلقون لا فاعلون مصدرون.
لذلك لابد من التفكير جيدا باجراءات تضمن هذه المبادىء.
وعليه، ادعو انا المحامي اسامة الخضر،ادعو رئيس نقابتنا والزملاء اعضاء مجلس النقابة الافاضل والهيئة العامة، التصدي بجدية متناهية لرفع شعار طلب التريث و الدرس والتمحيص للوصول إلى الصيغة المثلى التي لا يظلم معها طرف و لا فرد ولا جهة.
والله من وراء القصد.