أزمة في الأُفق بين أمريكا واسرائيل بسبب الصين!
داود عمر داود
20-05-2020 02:04 PM
مشروع ميناء حيفا
تلوح في الأُفق، هذه الأيام، بوادر أزمة بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بسبب الصين، التي ستتولى تجديد ميناء حيفا، وهو المشروع الذي تعترض عليه واشنطن بشدة، خاصة مع اقتراب موعد التنفيذ العام القادم. فقد كانت الحكومة الاسرائيلية قد منحت الصين، نهاية عام 2015، عقداً لإعادة بناء ميناء حيفا، مقابل استثماره لمدة 25 سنة قادمة، بحيث يبدأ العمل سنة 2021. وفي حال إصرار إسرائيل على المُضي قُدماً في المشروع فإنها ستضع علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن في مهب الريح، على حساب تعزيز علاقاتها مع بكين.
المخاوف الأستراتيجية الأمريكية
هناك أسباب متعددة تجعل الولايات المتحدة تتخذ موقفاً متشدداً ضد تأجير ميناء حيفا للصين، لمدة ربع قرن، حيث يحرم واشنطن من ميناءٍ كان يوماً مقراً لاسطولها السادس، على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. ثم يراه الأمريكيون فجأة وقد تحول، بين عشية وضحاها، إلى ميناء تسيطر عليه الصين، منافستها الرئيسية على الساحة الدولية، الأمر الذي يعتبر خسارة فادحة للنفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وأوروبا، وإنتكاسة لهيبتها على مستوى العالم، ربما تشكل نقطة بداية لتراجع نفوذها في مناطق اخرى، خاصة في ضوء تعزيز وجود البحرية الروسية في اللأذقية، إلى الشمال قليلاً من حيفا، للحيلولة دون وصول إمدادات أمريكية إلى أوكرانيا. تأجير ميناء حيفا، وإقامة الصين لمحطة تحلية مياه البحر، الأكبر في العالم، لتغطي ربع استهلاك الكيان الصهيوني من مياه الشرب، حمل إدارة ترامب على إرسال وزير الخارجية، جورج بومبيو، في مهمة عاجلة، إلى تل أبيب، حاملاً وجهة نظرها الغاضبة، وتحذيرات شديدة اللهجة، سمعها منه قادة الكيان.
أزمة تلوح في الأُفق
إن مضي اسرائيل قُدماً في مشروع ميناء حيفا، مع الصين، يتعارض مع المصالح الأمريكية، وبالتالي يؤدي إلى تأزيم علاقتها بواشنطن، التي تعتبر الصين تهديداً إستراتيجياً لها، والتي جاءت الآن لتدخل منطقة تعتبرها واشنطن وكأنها عقر دارها. وقد سبق لأمريكا أن أوقفت صفقتين لبيع منظومات عسكرية إسرائيلية إلى الصين تحتويان على تكنولوجيا أميركية. وتعتبر صفقة ميناء حيفا، وتحلية مياه البحر، وصفقات بنى تحتية اخرى، في فلسطين المحتلة، من بين أسباب التوتر القائم حالياً بين الولايات المتحدة والصين.
ضغوط ... دون جدوى
وقد سبق وأن حذر الكونغرس الأمريكي إسرائيل من (الانعكاسات الأمنية للاستثمارت الأجنبية)، وأعرب عن شعوره بـ (القلق البالغ) حيال تأجير ميناء حيفا للصين، سيما أن هناك خططاً لنشر قوات بحرية أمريكية متطورة في الميناء. كما هددت إدارة ترامب الحكومة الاسرائيلية أن تعزيز علاقاتها التجارية مع الصين سيعود بالضرر على التعاون الأمني بين الطرفين. ومارس البيت الأبيض والخارجية ضغوطاً لثني الحكومة الإسرائيلية عن تأجير الميناء، دون جدوى. فكيف لإسرائيل أن تتحدى الولايات المتحدة، بهذا الشكل السافر، وتأتي بالصين إلى المنطقة؟ هل تظن إسرائيل أن الصين ستكون بديلاً عن بريطانيا التي أنشأتها، أم عن أمريكا التي رعتها؟ يبدو أن ساسة اسرائيل يغامرون بمستقبلها، إذ لن يقبل الغرب، عموماً، أن تحل الصين محله في الشرق الأوسط.
إعتراضات داخلية في إسرائيل
في سياق مساعيها لإقناع اسرائيل بالتراجع، عن تسليم ميناء حيفا إلى الصين، أورد الأمريكيون جملة من الاعتبارات الأمنية التي أشارت إلى ان المشروع سيشكل ضرراً على اسرائيل نفسها، ساعدهم في ذلك المواقف التي اتخذها خبراء أمنيون وعسكريون، داخل الكيان الصهيوني، للاعتراض على المشروع، الذين قالوا أنه يمنح الصين امكانية التجسس، والتنصت، ومراقبة ميناء حيفا، الذي هو أيضاً القاعدة الرئيسية للبحرية الاسرائيلية، بما فيها اسطول الغواصات، الذي سيكون مكشوفاً للصينيين، من حيث تفاصيل القطع البحرية، والمهام التي يقوم بها في عمق البحر، إضافة إلى إنكشاف تقنيات التعامل مع قنابل العمق، وطرق التشويش، والتسلل تحت سطح المياه.
خلاصة القول: حين ينقلب السحر على الساحر
لم تكون اسرائيل ترتبط بعلاقات مع الصين، التي كانت تؤيد القضية الفلسطينية، في عهد ماو تسي تونغ. لكن الأمر اختلف عندما فتح الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، صفحة جديدة في العلاقات مع الصين، مطلع السبعينيات، فأخذت اسرائيل تبيع المعدات العسكرية إلى الصين، بموافقة من واشنطن. وقد بدأت اسرائيل علاقاتها الرسمية مع بكين عام 1992، وظلت تبيعها السلاح، وتوسعت العلاقات التجارية بين الجانبين، حتى أصبحت الصين هي الشريك التجاري رقم 3 للكيان الصهيوني.
فالأمريكيون هم أنفسهم الذين فتحوا الطريق لإسرائيل كي تورد السلاح إلى الصين مبكراً، وها هم ينتهى المطاف بهم، بعد نصف قرن، يستجدون ربيبتهم إسرائيل، المستكبرة والتي لا عهد لها، أن تتراجع عن بيع موطىء قدم بحري مهم إلى الصين، القوة الدولية المنافسة والمتحدية لهم. وبذلك ينطبق على الأمريكيين قول الشاعر: أُعَلِّمُه الرمايَة كُلَّ يَومٍ، فَلَمّا اشتدَّ ساعِدهُ رَماني، وَكَم علمتُه نظمَ القوافي، فَلما قالَ قافيةً هجاني.