أدين بالشكر للدكتور محمد المقابلة لأن مقالته المنشورة «حول موضوع الثلاثة مليارات» (عمون نيوز 19/5/2020) حفّزتني للبحث والتحقيق في «التحقيق والتدقيق» الذي قام به هو نفسه. قادني ذلك إلى حقائق مغايرة تماماً. لذلك أتمنى على د. المقابلة أن يعيد النظر في النتائج التي توصّل إليها؛ أو على الأقل يتأكد من «تحقيقاته وتدقيقاته».
أعتقد بأن النقطة الأساسية التي استند إليها د. المقابلة هي أن الدراسة مدعومة من «شركة» اسمها «المعرفة من أجل التغيير» بالإنجليزية Knowledge for Change، وهي نفسها التي روّجت لتقرير ملفق يدّعي بأن «إسرائيل تأتي في المرتبة الأولى من حيث فعالية إجراءات الوقاية من فيروس كورونا».
لقد امضيت ساعات طويلة وانا أبحث على الإنترنت في صحة هذه المعلومات ؛ كانت نتائج بحثي على النحو التالي :
1) أنه يوجد فعلاً مؤسسة وليس شركة اسمها Knowledge for Change ، ومقرّها لندن فعلاً؛ إلّا انه ليس لها علاقة بالتقرير الملفّق المشار إليه أعلاه، بل هي مؤسسة بريطانية خيرية لدعم التنمية في أوغندا، ولدعم مشاريع التنمية في إفريقيا إجمالاً .
2) أنه يوجد فعلاً صندوق اسمه Knowledge for Change في إطار «مجموعة البنك الدولي»، وهي الإطار الأوسع الذي يضم البنك الدولي وبنوك ومؤسسات أخرى عديدة في العالم، وتسمى World Bank Group . وقد تم دعم الدراسة عن «سيطرة النخب على المساعدات الأجنبية» جزئياً (in part) من قبل الصندوق، وهذا أمر طبيعي.
3) أن الدراسة (في الحقيقة هي Working paper، هكذا موصوفة في الموقع، أي ورقة عمل) المذكورة اعلاه منشورة بنصها الكامل في الموقع الإلكتروني لمجموعة البنك الدولي، بأسماء الباحثين والاساتذة الذين ذكرهم د. المقابلة في مقالته. وتحمل الدراسة على الموقع تاريخ «شباط 2020». وبالتالي، فإن البنك الدولي ـ أو على الأقل المجموعة التي ينتمي اليها ـ لم تتنكر لورقة العمل بحكم أنها نشرتها على موقعها.
4) أن هناك مجموعة شركات ومنظمات غير حكومية Consortium اسمها «مجموعة المعرفة العميقة»، بالإنجليزية Deep Knowledge Group ومقرّها هونغ كونغ (وليس لندن)، نشيطة في مجال تطوير التكنولوجيا، كما يزعم موقعها، وهي التي نشرت التقرير الذي استشهد به رئيس حكومة «إسرائيل»، نتنياهو و«طنطن» به لأغراض انتخابية وسياسية.
بالمقابل، فإن هذه المجموعة ليس لها علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، بالدراسة المتعلقة ﺑ «سيطرة النخب على المساعدات الأجنبية». أكثر من ذلك، فندت عدة وسائل إعلام عالمية (مثلاً صحيفة لوباريزيان الفرنسية) وحتى إسرائيلية، وكذلك شخصيات علمية وطبية نتائج التقرير الملفّق المشبوه الذي لم ينشر أبداً على موقع منظمة الصحة العالمية ـ كما ذكر د. المقابلة في مقاله !
الإنتقاد الموجّه أساساً للتقرير يقول بأنه فشل في الكشف عن المعطيات التي استند إليها، وعن المنهجية التي استخدمها للوصول إلى نتائجه وتصنيفاته (Ranking). أكثر من ذلك، يقول المنتقدون بأن الأشخاص الذين هم وراء تلك «المجموعة والشركات» يملكون سجلاً غير نظيف بل ومشبوه ولا يمكن الإعتداد بهم. وقد نشرت صحيفة Times of Israel بتاريخ 19/4/2020 تحقيقاً مطوّلاً عن موضع التقرير وعن الأشخاص الذين يديرون المجموعة وهم فعلاً أصدقاء لنتنياهو وليس من المستغرب أن «يتبرّع» لهم بالمال. أما محتوى التقرير ونتائجه فقد وصفت على لسان البروفسور اسحاق بن اسرائيل رئيس برنامج الدراسات الأمنية في جامعة تل ابيب بأنها «عبارة عن أخبار ملفّقة من الطراز الأول» Fake news، وبان التصنيف الوارد ليس رسمياً ولا يعتد به. بالفعل، التقرير يعطي «نقاطاً» وليس أرقاماً؛ ولا يذكر أبداً عدد إصابات فيروس الكوفيد 19 في «إسرائيل» (16607) حالات و 271 من الوفيات. وهذا لا يجعل «إسرائيل» أبداً في «المرتبة الأولى»؛ إذ ان دولاً مثل سنغافورة وتايوان قد سبقتها بمسافات. ولا ننسى بان تشدّد اليهود المتدينين ورفضهم التباعد الإجتماعي واتباع الإجراءات الوقائية الأخرى قد ساهم في ارتفاع عدد الإصابات، كما ولا ننسى بأن «إسرائيل» طلبت من الإمارات تزويدها بكمامات في بداية الأزمة. بإختصار التقرير الذي يستند إليه نتنياهو فُنّد علمياً وطبياً، ولم تروّج له إلا وسائل الإعلام المؤيدة للصهيونية خارج «إسرائيل».
أكتفي بهذا القدر من تصحيح «تدقيقات وتحقيقات» د. المقابلة، وأكون شاكراً له لو يثبت لنا العكس، ويزود القارئ بمواقع الإنترنت التي استند إليها. أخيراً، أمرّ مرور الكرام على حكاية تراكم ثروات النخب. الجميع يعلم بان النخب السياسية هي التي تحدّد أوجه صوف تلك «المساعدات»؛ فالأموال الواردة من البنك الدولي تمر، كالمعتاد، عبر بوابة وزارة التخطيط والتعاون الدولي. بقي أن نأمل بألا تتأخر الحكومة كثيراً في الرد على استجواب سعادة النائبة ديما طهبوب الذي طرحته قبل اسبوع «حول موضوع الثلاثة مليارات»، لأن الأمر ببساطة لا يتعلق «بكم قرش فراطة» !