لعل المعايش لحالة القطاع الزراعي يلمس بوضوح المشاكل المتأصلة والموروثة فيه ؛ إذ قيل وباستمرار إن تلك المشاكل لا تتجاوز أربعة إلى خمسة مشاكل رئيسية، كالتسويق الزراعي والعمالة، والمياه ، وتكاليف العملية الإنتاجية، وأحيانا النقل، أما باقي المشاكل تبقى تفاصيل أو فروع لمشكلة أكبر، وقد تأخذ أشكالا وألوانا وحلولا جديدة، لا بل قد يصبح بعضها أصلا وليس فرعا.

فتلك المشاكل لم ولن تنتهي،وتعيد نفسها بين الحين والآخر دون فهم عميق أو تعريف حقيقي يلامس جذورها، وعلى الأغلب يتم التعاطي معها بشكل عابر أو جزئي، فيميل الاهتمام تارة إلى التسويق كعنوان جاذب واعتباره قلب المشاكل، فيتم العمل على رسم الخطط ووضع الحلول المترددة دون الوقوف والغوص في مسبباته، أو ربطه مع مشاكل أخرى .

كل ما نراه وعلى الأغلب من حلول تكون خجولة ومتباينة، فيجتهد المجتهدون في حل فروع المشاكل على اعتبارها الأصل، فتضيع البوصلة وينتهي المشوار في معالجات ترقيعية تعيدنا إلى المربع الأول .وفي السياق نفسه يمكن القول إنه لم يكن هنالك نظرة شمولية جدية وتفكير استراتيجي يقظ نابع عن معايشة حقيقية للقطاع الزراعي ،لربما بسبب فقدان خاصية التفكير الجمعي في وصف وقراءة القطاع الزراعي وتحليل مشاكله وترتيبها وفق مصفوفة الأولويات وإيجاد الحلول الواقعية.

وبهدف الإصلاح الزراعي الحقيقي يتطلب منا جميعا فهم وقراءة القطاع الزراعي بشكل صحيح، وأن نسأل مجموعة من الأسئلة تمهيدا لبناء إطار مفاهيمي للقطاع الزراعي، يمكن الاعتماد عليه في بناء مصفوفة الأولويات ، ترتكز على السبب والنتيجة ،تراعي ما يسمى المسار الحرج في تقاطعات وتداخلات المشاكل وحلولها.

وهذه بعض الأسئلة المبعثرة حول واقع الزراعة: هل نحن بحاجة للزراعة ؟ كيف نفهم نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي ؟من هو المزارع ؟ ما هو مستوى الإدراك لأهمية الزراعة في الاقتصاد الوطني وقدرتها على المساهمة في معالجة الفقر والبطالة في الأطراف والمحافظات؟ هل لدى القطاع الرسمي تصور واضح عن مستقبل الزراعة ؟ هل الزراعة بعد استثماري أم تنمية ريفية (أسرية) ؟ أم الاثنتين معا ؟ أين موقع كل منهما ؟ ما هي تدخلات كل بعد؟ هل الزراعة تقليدية أم متطورة ؟ ما هو المطلوب للتحول إلى استخدام التقنيات والتكنولوجيا فيها ؟ هل يمكن اعتبار التصنيع الزراعي أحد الحلول ؟ من أين نبدأ في التصنيع ؟ ما هو دور القطاع الخاص في ذلك ؟ هل هنالك حاجة لمساحات زراعية جديدة (توسع افقي)؟ ما هي الاسباب العميقة وراء ارتفاع ديوان المزارعين ؟ لماذا لا يوجد تعاونيات زراعية ناجحة ؟ ما هي العمالة المطلوبة القادرة على العمل في القطاع الزراعي ( محلية أم وافدة )؟ هل جودة الإنتاج مشكلة ؟ هل يوجد فجوة مفاهمية ما بين القطاع الرسمي والمزارعين ؟ هل منابر القطاع الزراعي فاعلة وقادرة على تحمل المسؤوليات؟ هل الأسواق الداخلية والخارجية كفؤة وفاعلة ؟ لماذا مشكلة النقل متجددة؟ هل أساليب وآليات البيع عادلة للمستهلك والمزارع؟هل للبحث الزراعي دور فاعل في العملية الزراعية ؟ هل التشريعات الناظمة للقطاع عادلة وكافية؟ هل تشريعات الوزارات الأخرى كالعمل والصناعة والتجارة محدد على الزراعة أحيانا ؟ وهكذا .....

ويمكن لأي كان أن يسأل ما يشاء عن القطاع الزراعي ومشاكلها، وقد لا تجد إجابات كافية وموضوعية في الوقت المناسب ، لا بل ستجد عدة أجوبة لسؤال واحد.