هل يمكن الاستناد على الأخلاق في التعامل مع الانظمة السياسية ؟
يقول الشاعر الإنجليزي (بيرسي شيلي): "إنّ أكبر جرم ارتكب في تاريخ البشرية، هو فصل السياسة عن الأخلاق" فإلى أيّ مدى يُعتبر هذا القول صحيحًا؟ في كتابه مناهج الفلسفة، كتب المؤرخ والمفكر الأمريكي (ويليام جيمس) قائلاً: "إنّ هناك أكثر من ستين ألف مادة قانونية يتم إضافتها سنويًّا إلى القانون في أمريكا"، وعقّب قائلاً: " وهذه دولة تحتاج إلى أخلاق لا إلى قانون". وهذا القول ينساق بالضرورة على دول العالم الثالث؟!!
ولعلّ هذه الإشكالية تُقارب الإشكالية التي أرّقت الفيلسوف شيلر، حين أراد العودة إلى سياسة الذات، فعكف في (الرسائل الأولى من التربية الجمالية للإنسان) على فكرة الدولة كما كانت تتشكل في زمانه. حيث كان شيلر روسي الطبع والتطبّع، فكتب قائلاً حين رأى انهيار القيم الإنسانية على أعتاب الفظائع الدموية الوحشية: "لا يأتي البناء من السياسي ولا من رجل الدين أو الأمن ، ولكن من القدرة على الارتفاع نحو الروح والجمال، فعندما يضع السياسي أو رجل الدين أو رجل الأمن نفسه في الواجهة على سبيل الشهرة والنجومية، فهو يضع نفسه في الخلف باستخدامه لوسائل الإكراه، القهر، الابتزاز والترهيب، بيد أنه عليه ألا يقود بل أن يصاحب، ولا يقول هؤلاء تحت وصايتي، بل يقول هؤلاء بجانبي، فلا يتكلم بمنطق الفَوقية بل بمنطق المَعِيّة".
وكأنّ الفيلسوف شيلر يقول، إنّ الذي يعجز عن تسييس ذاته، هو عن تسييس دولته أَعجَز، وكأنه أيضًا وهو ينتظر نضوج فلسفته الى هذا العصر ينظر. فالولايات المتحدة الأمريكية التي أسّست أسس الفلسفة البراغماتية السياسية، عرّفت الحقيقة بأنّها الفكرة التي تنجح، وليست الفكرة ذات القيمة الأخلاقية، فصار التخطيط لسرقة أموال الفقراء، هو أنجح وسيلة للثراء، والظلم، القهر والاستبداد، هو أنجح وسيلة لتحقيق السلطة. فالعالم مجرّد سوق، والإنسان فيه مجرّد أداة للإنتاج أو الاستهلاك فقط، ولذلك فقد ركبت الكثير من الدول الإسلامية رغم ثقلها العقدي في المنطقة العربية، موجة البراغماتية، وعلّقت دواليب الحكم بتلابيب أمريكا وإسرائيل وغيرها.