بتنا لا نتفق مع تشدد عبيدات و لا انفتاح محافظة
أ. د. معتصم سعيدان
18-05-2020 11:00 PM
بالرغم من نجاح الاردن في تسطيح منحنى الفيروس الوبائي منذ بدء رصد حالات العدوى في منتصف شهر شباط، و بالرغم من تميز فرق التقصي الوبائي في تكسير سلاسل عدوى انطلقت في اربد و الهاشمي و ماركا، و مؤخرا في الخناصري رغم اتساع رقعة العدوى الجغرافية و التي شملت اقليم اشمال كاملا مع البادية الشمالية، و بالرغم من سيطرة خلية الأزمة على ضبط حجر القادمين و ايوائهم في الفنادق بكل سلاسة و اتقان، بالاضافة الى عودة القطاعات الى ممارسة اعمالها و لم يحصل ارتدادات عدوى للفيروس كانت متوقعة و باحتمالية عالية كان قد حذر منها رئيس لجنة الاوبئة، الاستاذ الدكتور نذير عبيدات، الا أن واقع الحال يفرض حقيقة أنه لا يمكن الوصول الى السيطرة التامة على انتشار الفيروس من خلال صفر حالات للعدوى الداخلية كما حدث مؤخرا.
هذا و قد بات واضحا أن عبيدات يقود لوبي متحفظ و متشدد لا ينفك يطلق التحذيرات من موجات فيروسية ستنفجر حتما اذا ما تمت المغامرة في السماح بعودة كافة القطاعات الى أعمالها كما كان عليه قبل رصد أول حالة في الاردن. و بالرغم من عبيدات قد أثبت قدرة في اقناع اصحاب القرار في خلية ادارة الازمة، الا ان العديد من تحذيراته لم تتحقق على ارض الواقع.
السياسة التي تبناها عبيدات اصطدمت بواقع حتمي يهدد القطاع الاقتصادي و لا يمكن احداث توازن يوازي بين تسطيح المنحنى الوبائي و ابقاء الاقتصاد في مستواه الطبيعي، و هذا أجبر أصحاب القرار بالمغامرة بفتح القطاعات و الحدود للشحن البري بشكل تدريجي و لكنه كما كان متوقعا فقد احدث هذا سلسلة عدوى في الخناصري كادت ان تشكل بؤرة تفشي واسعة النطاق جغرافيا. و بالتالي، رفع هذا من حدة تصريحات عبيدات الذي أرسل اشارة ما بين السطور ان الانفراج الاقتصادي قد يجبرنا على تبني سياسة مناعة القطيع و التي وصفها عبيدات بأنها مقامرة لا انسانية قذرة بحد تعبيره.
و المراقب لما يحدث في الاردن، و بالذات ما يصدر عن لجنة الاوبئة من تصريحات، ليلحظ ان لوبي آخر يتزعمه الاستاذ الدكتور عزمي محافظة، بدأ ينادي بالانفتاح الكلي و يصرح تصريحات لا تتفق مع سياسة تسطيح المنحنى و التي تبناها الاردن منذ بدء الازمة و اعتبرها هدفا ليبقى ضمن صدارة الدول التي سيطرت على هذا الوباء. و يحظى لوبي المحافظة بتأييد من شريحة واسعة من الاطباء و الملاحظ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، و بالذات المناداه بضرورة ان يكتسب المجتمع الأردني مناعة ضد هذا الفيروس من خلال اعادة الحياة الى طبيعتها! و كأنهم يرمون الى اهداف لا تتحقق الا بسياسة القطيع، مع عدم اشارتهم الى مناعة القطيع كوسيلة و دون طرح بدائل عملية، بل طرح غاية فيها مقامرة قد تتسبب بخسائر بالارواح البشرية و تعطل أنشطة تجارية ان حدث في محيطها اية عدوى و اضطرابات قد ترقى لمستوى الامن المجتمعي، فمن منا يقبل بأن يقوم الطبيب برفع أجهزة التنفس الاصطناعي عن أحد والديه و وضعه على شاب قد تكون فرصة نجاته من الفيروس اكثر احتمالا! لسنا جاهزين لمثل هكذا قرار! و الغريب ان من ينادي بضرورة اكتساب مناعة مجتمعية يفترض أن معدلات حالات العدوى اليومية ستبقى ضمن المسيطر عليه مع علمه كطبيب أن 90% من أجهزة التنفس الاصطناعي مشغولة لأمراض أخرى و أن ما يتوفر لدينا من أجهزة لا يكفي لأي تضاعفات هندسية بمعدلات العدوى اليومية! و النماذج الرياضية التي تستقرأ المستقبل صادمة بنتائجها! و يبقى السؤال الذي يكبح جوابه الهرولة الى ضرورة اكساب المجتمع مناعة ضد هذا الفيروس: كم يلزمنا من وقت لتعريض المجتمع لهذا الفيروس كي نكتسب مناعة مجتمعية؟ هل نتحدث عن أسابيع؟ أشهر؟ سنوات؟ عمر نصف جيل مثلا؟ لا بل كم من الوفيات التي ستسبب بها اكتساب تلك المناعة؟
لذلك نرى كمراقبين لاحصائيات انتشار فيروس الكورونا (كوفيد-19)، أن ما يتم طرحه هو أهداف ( كصفر حالات مثلا، تسطيح المنحنى، اكتساب مناعة مجتمعية، انقاذ القطاع الاقتصادي من التدهور, الخ) و لكن دون وجود استراتيجية مدروسة بالارقام و وضع خطط لأسوأ سيناريو خلال أشهر او سنوات! علما بأن تصريحات منظمة الصحة العالمية و الدول المتقدمة تدل على أن هذا الفيروس سيستمر لمدة أعوام بل لربما عقود! فما هي استراتيجيتنا؟!
ما تقوم به خلية ادارة الأزمة الموقرة و المشكورة على جهودها و كفاءتها، هو تنفيذ خطة طواريء و الاستجابة لأي طاريء بسرعة و كفاءة عالية، و لكن ليس من واجبها ان تضع استراتيجية لمدة عقد من الزمن! و اي استراتيجية يتم طرحها يجب أن تكون مرنة دون ان تخضع الى تشدد عبيدات و انفتاح محافظة! لأن الحسابات الرياضية المبنية على احتمالات تستثني عادة الحالات المتطرفة و بالذات ان لم يكن لدى الدولة المقدرة على استدامة حيوية قطاعاتها و مكوناتها في اسوأ سيناريو.
و من يتابع ما يجري بالدول المجاورة و بالعالم أجمع،ليدرك أننا بتنا بحاجة الى استراتيجية و خطة عمل طويلة الأمد! حتى و ان تم انتاج لقاح لهذا الفيروس، فمن منا سيقبل أن يكون ضمن عينة لتجريب هذا اللقاح عليه!