ماذا تقول رواية "وليمة لأعشاب البحر"
يوسف عبدالله محمود
18-05-2020 08:19 PM
بداية أقول إنني لم أقرأ النص لرواية "وليمة لأعشاب البحر" التي أثارت ضجة كبيرة حين تم نشرها ومُنع تداولها إلا من خلال تسريبها من قبل مؤلفها حيدر حيدر وكأنها تحمل وَباء تخاف السلطات العربية من انتشاره.
غياب الديمقراطية – وكما يقول الناقد الكبير محمود العالم- دفع دور النشر على الامتناع عن نشرها. وحتى الدار التي وافقت على النشر لم تبرز اسمها على الكتاب!.
لماذا شُنّت الحملة على الرواية وعلى صاحبها؟ هل الكاتب تجاوز الخطوط الحمراء كما ترسمها بعض السلطات العربية؟
من خلال قراءتي لملخص الرواية الذي ضمّنه محمود العالم كتابه "أربعون عاماً من النقد التطبيقي"، اكتشفت أن سبب منع الرواية يُعزى إلى أنها تُعرّي ثورات عربية تم إجهاضها أو التآمر عليها ونَسْفها من الداخل.
أما مسرح الرواية فهو العراق والجزائر. إنها وجهة نظر من حقها أن تُقال اتفقنا معها أم لم نتفق.
هل كان ينقص هذه الرواية البنية الفنية؟
بالطبع لا. إذن ما سبب المنع؟
وهل تحمل إشارات من الواقعية؟
يقول العالم "إنها أحداث متخيلة في وحدتها الروائية الكلية، ولكن ما أكثر الإشارات في الرواية إلى حقائق ووقائع وأحداث ومواقع وشخصيات فعلية في تاريخنا العربي المعاصر".
محمود العالم: المرجع السابق ص71.
بطل الرواية العراقي "مهدي جواد"
غادر وطنه العراق بعد فشل ثورة عبد الكريم قاسم ويأسه من المستقبل إلى الجزائر. وهناك يلتقي بفتاة جزائرية يعشقها. وبينما هما يسيران سعيدين فوق العشب الأخضر يطاردهما رجلان معتبرين عشقهما حراماً.
كيف تعشق جزائرية عراقياً!
شعر مهدي جواد وهو في الجزائر بـ "غُربة". كان يظن أنه في وطنه الثاني، "الغُربة" التي عاشها هنا أحبطته وهو الهارب من وطنه العراق لأسباب أيديولوجية، وفي لحظة يأس صعد إلى صخرة وقذف جسده إلى البحر "ليصبح وليمة لأعشاب البحر". هل كان فعله مبرّراًً!؟ "رُبّما هو الإحباط".
في هذه الرواية تلقانا شخصيات تبدو ثورية تساند الثورة وتشارك فيها "الثورة الجزائرية" لكنها تفتقد بعض انحرافاتها إذا انحرفت فيتم اضطهادها مما يدفعها إلى التراجع عن ثوريتها. وأكثر من هذا نراها في النهاية تنحرف أخلاقيّاً كشخصية "فُلّة بو عناب" والتي وصفه العالم بأنها "الوجه الحي للثورة الجزائرية".
"فلّة بو عناب" الثورية تتحول إلى بائعة هوى بعد أن تحوّل وطنها– كما تقول – إلى "سوق".
تقول في الرواية:
"هم قتلوا مواهبي الأخرى وركزوا على موهبة التأوّه والصراخ الجنسي .. أليس هذا هو الاستعمار الحقيقي".
"بمرارة تتحدث عن الوطن الذي امتهن بعد الثورة".
محمود العالم: المرجع السابق، ص75.
وقد أحسن محمود العالم حين صدّر مقالة عن هذه الرواية بـ "نشيد الثورة العربية المجهضة" أتساءَل في الختام: كم من ثورة عربية تم إجهاضها حتى بعدما سُمي بـ "ثورات الربيع العربي".
كم من ثائر سائد هذه الثورات في البداية بعد أن حلم بورديتها الربيعية، ثم انتقدها حين انحرفت فكان مصيره المطاردة أو الاعتقال أو الانزواء والهروب من واقعه!.
يبقى السؤال الحائر هو:
لماذا تجهض الثورات العربية؟
السبب غياب الديمقراطية.