الحرص الحكومي المقدر طبعاً، يذكرني بالقصة التركية عن ذاك السلطان الذي خاف على ابنه الأمير الصغير من نبوءات العرافين فأبعده الى قلعة حصينة وسط البسفور، وفي يوم أرسل له سلة عنب فكانت بها أفعى مندسة لدغته. بمعنى أن التفاعل مع البيئة اليومية والاحتكاك المجتمعي بضوابط لا بد منه، لأنه لا يمكن للأردن ولا لغيره من الوصول لحالات صفرية مستمرة لأن المجتمع لا بد أن ينفتح على العالم سواء عاجلاً أم آجلًا.
ما أدَّعيه ليس بحكم الخبرة بالأوبئة ولكن بحكم متابعتي النهمة للتقارير العلمية العالمية بخصوص مستجدات محاربة الكورونا، لذلك ما نحتاجه هو تعايش واتباع وسائل الحماية وليس حالات صفرية دائمة، لأنه وعند فتح الطيران مثلاً ولو باتجاه واحد سيكون ذلك باب لدخول المزيد وبالتالي نحتاج للموازنة بين أعداد الحالات والوفرة السريرية لمعالجة الحالات التي تمرض ثم تتعالج فتخرج، وكلما كان المسار أفقي فنحن بخير.
الاقتصاد المعرض للركود يجب أن نهتم بالتركيز عليه بنفس مستوى الاهتمام الصحي بمعنى فتح الباب للحركة المجتمعية حيث العطلة الصيفية قادمة والسياحة الخارجية غير قادمة مما يستدعي تشجيع السياحة الداخلية لتعويض النقص حيث أن الأردنيين المقتدرين لن يسافروا مما يتطلب تجهيز برامج محلية مغرية من نواحي المحتوى والأسعار.
كما أن بقية القطاعات الاقتصادية تحتاج إلى سرعة عودة الأعمال الحكومية إلى وتيرتها لكن بتباعد جسدي مع التركيز على زيادة الخدمات الحكومية عن بعد، حيث من الصعوبة بمكان أن القطاعات الإنتاجية عاملة والجهات الحكومية المساندة لها في عطلة.
الأردن لديه فرصه ليكون للمنطقة والإقليم كما الصين للعالم، بأن يكون أول المتعافين نسبياً لأن المعافاة الكاملة مستحيلة إلا بعد اكتشاف اللقاح المضاد، لذلك نحتاج لتعويض بعض الخسائر التي ستتكبدها القطاعات ومنها على سبيل المثال المطاعم التي ستكون تكاليفها الرئيسية 100% خاصة ما يتعلق بالإيجارات والرواتب بينما إيراداتها ستكون 50% إذا عادت للخدمة بمستوى أشغال لا يجوز أن يزيد عن 50% بحكم ضوابط التباعد الجسدي المطلوبة.
الانفتاح الاقتصادي السريع وعوده الخدمات الحكومية الضرورية وإنتاج متميز في قطاعات الأدوية والمستلزمات الطبية والتكنولوجيا الرقمية أهم ما يميزنا عمن حولنا بجانب الإنتاج الغذائي والتحول نحو الاكتفاء النسبي، كذلك السياحة الداخلية وسياحه الأردنيين المغتربين وببعض الجهد يمكن أن تكون باب إيراد هام لتعويض الفاقد من السياحة التي لن تقبل إلينا في هذه الظروف، لذلك يتم التعويض بالأردنيين الذين لن يغادروا مصطافين هذا العام.
كل ما سبق يتطلب تسويق إعلامي وتجاري يوضح للملأ مكامن قوتنا ونجاح التجربة الأردنية في مكافحة كورونا حيث صور النجاح تظهر خجولة هنا وهناك، في حين أن تونس خطفت الأضواء، و إن كانت تجربتنا ما زالت تملك الفرصة لتكون الأكثر تميزاً في العالم العربي من حيث حسن الإجراءات ومستوى العلاج، والهدف أن نكون في المستقبل القريب مركز علاج طبي إقليمي جاذب للسياحة العلاجية، مما يتطلب إبراز أكثر لهذا النجاح.
وأخيرًا تحية إجلال وإكبار لأولئك المرابطين بالأبيض في الخط الأول، المحرومين من أحضان أطفالهم خوفاً وهلعاً عليهم، ممن يرتسم التعب والإرهاق على ملامحهم في سبيل بث الأمل في نفوس المرضى.