في بداية توارد الاخبار عن مرض غريب ينتشر في الصين كان البعض يظن بأنَّ ما يحصل في الصين سيبقى في الصين و بأنّ نيران هذه الجائحة لن تقترب منّا , فنحن الشعوب الاكثر ايماناً و قرباً من السماء و ما هذه الجائحة الاّ عقاب الهي عما اقترفته الصين من افعال و خطايا.
اقتربت كورونا من حدودنا و راحت ذات المجموعة تعطي الاعذار لقدومها , فمنهم من قال بأنّها امتحان لاختبار قوة الإيمان و منهم من قال بأن خيوط المؤامرة بدأت تلتف حولنا او حتى أنّها لن تصيب الا الكافرين و الكثير من الاعذار نُسجت لتفسير قدومها المُستبعد من وجهة نظرهم.
وهنا فعلت كورونا ما لم تفعله مئات الكتب و القنوات و الجرائد , فبقدومها قضت على أيّ افكار متطرفة او عنصرية , فأمام هذه الجائحة الكل سواسية كأسنان المشط , والكثير من الذين قالوا لن يصيبنا هذه الوباء راحوا ضحايا له و اصبحوا عبرة للمتأثرين بهم الذين تراخوا في اخذ تدابير الوقاية بعد تصديق تطميناتهم المزيفة .
لا شك بأن هذه الجائحة لها اثآر مدمرة على كافة مناحي الحياة من اقتصاد و سياسة و تعليم , و لكن على سبيل التفاؤل و التركيز على بعض الإيجابيات علينا أن نقول شكرا لكورونا من قلب معركتنا معها , نعم نشكرها لأنها لم تُفرّق بين ابيض و اسود بين مؤمن و ملحد بين غني و فقير , فلو كانت كورونا تصيب السود مثلا فهل يستطيع احد ان يتخيل موجات العنصرية و التنمر التي كانت من المتوقع ان تحدث ؟
ما اكتشفناه خلال هذه الفترة أن هذا الوباء ليس اسوأ ما يمكننا أن نواجهه , ففي حياتنا اليومية نحتك مع من هم اسوأ من الكورونا بعشرات المرات غير مدركين لهذا , فالفاسد الذي يسرق خيرات الوطن اسوأ من الكورونا و من يستغل الازمات لتحقيق منافع فردية اسوأ من الكورونا أيضا , ففي النهاية هذه الوباء مهما طالت إقامته على كرتنا الارضية مصيره الزوال و التلاشي , امّا النفوس المريضة و الأيادي السوداء فهي من تدمرنا كل يوم عشرات المرات , عسى أن نعمل على اكتشاف لقاحا لها تماما كما نعمل جاهدين في حربنا مع كورونا.