"إنتَ عمري"
كانت تلك المريضة "عروب" ابنة الخامسة والثلاثون عاماً، وطالبة الدكتورا في كلية الفنون، والمتزوجة وأمٌ لطفلٍ يبلغ وقت ذاك "٦" سنوات، والمشخصة بمرض سرطان الدم.
كانت تمكث في المشفى ضمن مراحل علاجها وجرعات الكيماوي لأسابيع، وأحياناً لشهور متتالية، على مدار سنةٍ كاملة، وكنت أستشعر ألماً في ثنايا قلبها ووجعاً تجاوز ألم العلاج واعتنق تفاصيل روحها.
كانت على علاقةٍ طيبة مع زوجها، تحبه ويحبها، ولكنها في مراحل علاجها وخلال الأيام والشهور المتتالية ابتدئت تكتشف المستور.
أثناء علاقتي المهنية بها وكنوعٍ من كسر الروتين، ولتجنب دور المحقق والمتهم، لخصوصية المرض وطبيعة المرضى التي نكتشف اسرارها عند التعامل معهم، قررت أن أُشاطرها فيلماً كعملٍ درامي يحمل الكثير من خصوصية مرضى السرطان وأسرارهم يحمل عنوان: " إنتَ عمري".
كان هذا الفيلم يتحدث عن البطل المتزوج والذي ينعم بحياةٍ جميلةٍ وهادءه مع زوجته وطفله، للحظة التي تم تشخيصه بمرض السرطان، واتخذ البطلُ قراراً بأن يخبيء مرضه عن أسرته، ويذهب بحجة السفر ليبدأ رحلة علاجه دون علمهم، ويلتقي بالمريضة "شمس" والتي بدورها أصبحت تشاركه وتشجعه وتعيش معه تفاصيل المه وألمها أثناء العلاج وتلقي جرعات الكيماوي.
كانت شمس في ذاك العمل الدرامي هي من جعلت حُبَ زوجته يغرب ويغيب لتحل بألمها ووجعها وشحوب وجهها محله، متناسياً زوجته وطفله، ومتعلقاً بسبب يشجعه على العلاج والعودة للحياة وأخذ الأمل من جديد.
كانت المريضة "عروب" تشاهد مقاطع الفيلم بحزنٍ وحرقه، وما كان منها إلا أن انهملت عيناها بالبكاء، عندما اكتشفت زوجة البطل خيانة زوجها لها، "خانها لأنه رأى في شمس حياته، واستمرار أمله، وأكثر من يشعر بأنه يستمد الحياة منها"!!!!
هنا صارحتني "عروب " بأن زوجها اعترف لها بأنه وجد من تشاركه الحياة بعد أن شارفت هي من وجهة نظره على فراقها، وبكت وبكل قهرٍ وألمٍ قالت: "يا ريت لو استنى شوي لأفرح بتخرجي وأكون حاسه اني بحياتو الوحيدة".
أحداثٌ واسرار عديدة دارت بيني وبين "عروب" ولكن فكرتي الأخيرة والمفارقة بين الواقع والدراما، هي أنه دائماً نبرر لنخدر ضمائرنا، ونجعلها تنام بعد أن نردد: "ولا الضالين، امين".
في الواقع كانت هي المريضة، ولأنه هو المتعافي، "جسدياً فقط" ذهب ليبحث عن الحياة مع صحيحة مثله، وفِي دراما "انت عمري" كان هو المريض ووجد الحياة مع مريضة تشبهه، وترك زوجته الصحيحة
"نحن نذهب، ونخطيء، وفقط علينا أن نبرر ونقنع".
وأخيراً شاطرت "عروب " المقطع الأخير من الفيلم، والذي كان يدور حول تحقيق "شمس" حلمها وهي راقصة الباليه، بالرقص والمشاركة في مسابقةٍ عالمية، ترقص بها على أنغام "انت عمري".
وشاطرت المريضة كذلك على أرض الواقع حصولها ونيل درجة الدكتورا في الموسيقى أثناء علاجها.
"شمس" رقصت لوحدها لأن البطل توفي وتركها وزوجته التي ذاقت جرعات خيانته، وهي تعافت وحققت حلمها، والمريضة "عروب" احتفلت بنجاحها لوحدها لأن زوجها ذهب مع أخرى.
وفِي النهاية اكتمل المشهد في الواقع والدراما، وكان الفرق أن بطل الفيلم مات فعلياً، وبطل الواقع مات في نظر زوجته".
ولكن:
"تعددت الأسباب والموت واحد، وانتهت القصة وكأنه لم يكن عمرها، رغم أن البداية كانت، ،،،،،،،،،