كل ما يسمعه العالم عن جائحة الكورونا ، بدءا من حكاية نشوء الفيروس وانتشاره وصولا إلى آثاره القريبة والبعيدة، الظاهرة والخفية، هو كلام يقودنا نحو المجهول وإطالة أمد الصدمة التي حدثت في لحظة تاريخية حرجة، تغيرت فيها التحالفات وتوترت العلاقات، على وقع طبول حرب تجارية، خاصة بين أمريكا والصين، لم يستبعد المحللون الإستراتيجيون تحولها إلى حرب حقيقية مدمرة.
في الوقت الذي كشفت فيه الجائحة هشاشة النظام العالمي، وضعف التعاون الدولي سواء على مستوى الحكومات أو المنظمات الدولية، تعزز الشعور بالدولة الوطنية أكثر من أي وقت مضى، إلى درجة أن بعض الخبراء يعتقدون أن نظام العولمة قد انتهى بالصورة التي كان عليها خلال العقود الثلاثة الماضية.
هناك الآن أمر واقع جديد يتشكل من يوم إلى يوم، ربما يكون مبنيا على الحقائق الملموسة التي نعيشها ونتعايش معها بدرجات متفاوتة، من فرد إلى فرد، ومن دولة لأخرى، سواء على مستوى التفكير العادي البسيط، أو التفكير في أعلى مراتب التخطيط الإستراتيجي، الذي يدفع في اتجاه الخيارات المتاحة أو الممكنة التي سيلجأ لها كل طرف من أجل أن يتعايش مع المجهول!
المجهول هنا ليس الوباء وحده، وإنما ردود الأفعال المنتظرة لحالة الانهيار الاقتصادي والمالي الدولي، وحتى الصراعات السياسية والأيدولوجية المتنامية، يقابل ذلك كله إرادة الحياة ومواصلة العيش، خاصة بالنسبة لبلاد عديدة تمكنت من استيعاب الهجوم الوبائي الأول، ومنها بلدنا الأردن، الذي تمكن بحمد الله من حصر الوباء في حدوده الدنيا.
لكن إرادة الحياة لا تعني الاختباء من المخاطر والتحديات، وإنما مواجهتها، والتصدي لها، ومهما كان المجهول مجهولا فإن أفضل طريقة لفك ألغازه هو التعايش معه، ونحن في بلدنا – والكل يتحدث عن بلده – مضطرون لوضع خطة للتعايش حتى لا تكون مجرد حالة من الاستسلام للأمر الواقع، وطريقنا في هذا الاتجاه واضح يقوم على مفهوم العودة التدريجية الآمنة للحياة الطبيعية، مع الأخذ بأسباب ومقومات السلامة العامة، وفي اعتقادي أن كل يوم نتأخره بعد عطلة عيد الفطر عن نظرية التعايش تلك سيعود بنا خطوات إلى الخلف أو إلى طريق مسدود لا قدّر الله!