تأثير وباء كورونا على النظام الصحي في الأردن: الحوكمة والإدارة (1)
اللواء المتقاعد موسى العجلوني
17-05-2020 03:25 PM
إن الدور الرئيسي للنظام الصحي الناجح هو المحافظة على صحة السكان وحمايتهم من الأمراض المعدية والمزمنة وتوفير الرعاية الصحية لهم بمستوياتها الأولية والثانوية والثالثية ف بطريقة فعالة وآمنة وعادلة وبأقل تكلفة ممكنة على مستوى الفرد والمجتمع. يتكون النظام الصحي من عدة انظمة فرعية او مكونات لا بد من الإهتمام بها جميعا لكي يتسطيع هذا النظام القيام بالدور المطلوب منه وهي: الحوكمة والإدارة وتقديم الخدمات والتمويل والتكنولوجيا الطبية والأدوية والموارد البشرية ونظام المعلومات والمشاركة المجتمعية. وفي مقال اليوم سنتناول تأثير وباء كورونا 19على حوكمة وإدارة النظام الصحي في الأردن.
منذ ظهور وباء كورونا 19 في الصين نهاية عام 2019 اتبعت الحكومة سلسلة متوالية من الإجراءات الوقائية والتوعوية وتعبأة وتوفير كل الإمكانيات المتاحة لمواجهة هذا الوباء ومحاصرته .إثر تسجيل اول اصابة في الأردن في 2 آذار 2020، تسارعت الإجراءات الحكومية لإحتواء هذا الوباء لتشمل غلق المنافذ الجوية والحجر على كل القادمين من خارج المملكة وتعطيل المدارس ومن ثم المؤسسات الرسمية والخاصة وتقييد حركة المواطنين وتفعيل قانون الدفاع ونشر الجيش على مداخل المدن وبلغت ذروتها في فرض حظر التجول التام في جميع مناطق المملكة في فترات محددة وفرض الحضر الجزئي الذي لا يزال ساريا لغاية الآن . نجحت سياسة التباعد الإجتماعي الصارمة وحملات التوعية الصحية وتشكيل الفرق الفنية للإستقصاء والرصد الوبائي التي غطت كافة التجمعات السكانية التي ظهر فيها الوباء وامتدت لتشمل كل مناطق المملكة في محاصرة الوباء ومنع انتشاره بأعداد كبيرة مما أدى الى تسطيح منحنى الإصابة بالفيروس وتمكين النظام الصحي من التعامل بنجاح مع حالات الإصابة المتراكمة التي بقيت اقل من 600 حالة لغاية هذا التاريخ تعافى عدد كبير منها ولم تزد الوفيات عن تسع حالات.
وفيما يلي اهم الدروس التي يمكن الخروج منها فيما يتعلق بالمكون الأول للنظام الصحي والخاص بالحوكمة والإدارة والتي يجب تحليلها والبناء عليها لتقوية النظام الصحي في الأردن وتحضيره لمواجهة تحديات حقبة ما بعد كورونا 19 وهي حقبة العبأ المزدوج للأمراضDouble Burden of Disease ( الأمراض المعدية والعابرة للقارات مثل كورونا 19 والأمراض المزمنة كأمراض السكري والسرطان والقلب والكلى ) في ظل شح الموارد نتيجة للأزمة الإقتصادية المتوقعة:
لقد نجحت الحكومة من خلال المركزالوطني للأمن وإدارة الأزمات في جمع وتوحيد وتنسيق كافة قطاعات الدولة (الصحية والعسكرية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية والإعلامية والبحثية والخيرية) لمحاصرة الوباء ومنع انتشاره . كل ذلك تم بتوجيه وإشراف ومتابعة حثيثة من القيادة العليا ممثلة بجلالة الملك.هذه التجربة تبين بشكل واضح اهمية وتأثير النظام السياسي واالنظام الأقتصادي والنظام الإجتماعي على النظام الصحي والعلاقات التبادلية بين هذه الأنظمة .
اتسمت إدارة الوباء من الناحية الطبية بتوحيد جهود مقدمي الخدمات الصحية الحكومية والعسكرية والجامعية والخاصة في المملكة تحت قيادة واحدة (وزارة الصحة) مما انعكس ايجابيا على تنظيم أداء هذه القطاعات على اختلاف إداراتها وهيأ المناخ المناسب لتعمل القوى الصحية في الميدان كفريق واحد. كذلك كان لقطاع الصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية دور كبير في هذه المنظومة حيث زودوا النظام الصحي بالعلاجات والمستلزمات الطبية اللازمة على مدار الساعة بالإضافة الى الدور الإيجابي للصيدليات الخاصة وقيامها بالمساهمة في توصيل الأدوية للمرضى الى بيوتهم. للبناء على هذه التجربة وتعزيزها لا بد من ايجاد مظلة وآليات واضحة ودائمة لتنظيم عمل جميع القطاعات الصحية.
اثبتت هذه التجربة اهمية وفاعلية التعامل مع الأزمات الصحية الوطنية باتباع النموذج الإستباقي( التخطيط للأزمة والإستعداد لها) بدلا من النموذج الإنعكاسي ( رد الفعل الآني ) Proactive Versus Reactive Approach
اظهرت الأزمة انَّ سيادة القانون Rule of the Lawوالعدالة في تطبيقه على الجميع Equity and Fairness كانا من اهم العوامل التي ادت الى التزام الناس بالتعليمات الحكومية مما ادى الى نجاح سياسة التباعد والسيطرة على الوباء.
ساهمت سياسة الشفافية Transparency التي تبنتها الحكومة اثناء ادارة الأزمة عن طريق إطلاع المواطنين على عدد الاصابات ومصدرها بشكل يومي وتخصيص منصات حكومية لنشرالوعي المجتمعي حول هذا الوباء والاجابة على الأسئلة والاستفسارات التي ترد الى أذهان المواطنين فيما يخص هذا الوباء وحاجاتهم الصحية بشكل عام ، ساهمت جميعها في زيادة ثقة الناس بالحكومة واحترامهم للتعليمات الصادرة عنها وتطبيقها وعدم الإستماع للشائعات ومحاصرتها.