منذ بداية «عصر الستالايت» احتل رمضان مكانا مركزيا في البث التلفزيوني الدرامي. وانحصرت صناعة الدراما في الشهر الفضيل. ومن هنا يمكن القول بان الموسمية الانتاجية بدأت باجتياح صناعة الدراما العربية،مسلسلات رمضان الدرامية.
الموسم فكرة اصلها تجاري واستهلاكي، واصبحت جزءا لا يتجزأ من عملية الانتاج الفني. وسيطرة ووجهت ذائقة الجمهور، وذلك لمصلحة الانضواء في موسم درامي استهلاكي معين « شهر رمضان «.
طبعا، فان ماكينة الانتاج الدرامي يقف وراءها» رأسمال ضخم «. قرابة مليار دولار فاتورة الانتاج الفني المصري والخليجي. رمضان احتكر الفن والدراما والانتاج والشاشة الصغيرة.
المال في الدراما ليس مغامرا ومقامرا. وقد ترك اثرا وبصمة واضحة قيمية على الانتاج الفني. فالمال فعل الكثير في مستوى وجودة الانتاج الفني، وابضا في ذائقة الجمهور غرائزيا والسيطرة والتحكم بها.
الكاتب المصري الراحل اسامة انور عكاشة صاحب «ليالي الحلمية والنوة وارابيسك ومصريات»، وكان من اول المعترضين على احتكار الانتاج الفني في موسم معين، وتنبأ مبكرا من خطورة المال على الفن، واحتكار الموسم الدرامي سيؤدي حتما الى سقوط وتدني الاعمال الدرامية، والوقوع في الفخ لصالح التجاري، وانحدار ذائقة الجمهور.
ماذا يفعل المال في الذائقة العامة ؟ واسئلة كثيرة في سياق العلاقة ما بين التسويق ومواسم الدراما. الدراما العربية، وتحديدا المصرية فقدت الكثير الكثير من بريقها وقوتها الناعمة. واجتاحت الدراما التجارية، وضربت الفن في صلب دوره الوطني الاجتماعي والسياسي والتنويري، والتاريخي.
في ازمة كورونا، وتحت ضغط الحجر المنزلي، فان المشاهد بات اسيرا للشاشة.و لا يملك غير خيار المتابعة للاعمال درامية استهلاكية تافهة وساذجة وسطحية، ومبتذلة، الا ما رحم ربي في طبيعة الحال.
بدأ مسلسل «البرنس « بمادة درامية مستهلكة ومكررة ومطروقة كثيرا في الدراما المصرية، ولا يختلف عن مسلسلات اخرى كان الفنان محمد رمضان بطلها.
حبكة المسلسل الدرامية، الاخوة والانتقام، وهي مقاربة تتقاطع مع قصة سيدنا يوسف وإخوته. الاخ الصغير يتفق اخوته من ام ثانية للتلخص منه لان والدهم يفضله عليهم. وبدلا من رميه في البئر، فانهم يرمونه في السجن.
طبعا، فان المسلسل سياخذ احداثا درامتيكة متطورة لدوامة الانتقام الذي يتقن محمد رمضان ادائها. الحبكة والحكاية الدرامية مطروقة، وتطور الاحداث ملل، ومتوقع، وعنصر التشويق مكسور، ولربما ان الاحداث متوقعة، والمشاهد يفقد متعة التوقع والمراهنة والصدمة.
والى جانب ذلك تبدو شخصية « رضوان البرنس « مسحطة ومستهلكة، وشديدة الرداءة. وانسانيا فان مشاعر شخوص المسلسل مكشوفة ومصطنعة، وغير مقنعة ومقبولة للمشاهد مهما كان مستواه التعليمي والثقافي والاجتماعي.
اخوة «البرنس «، وزوج اخته لم يتقنا دور الشر، تصنع وتقليد ويحصران مفهوم الشر في الاسنان الماكرة، والضحكة السوداء الخبيثة. والشر في الدراما من اصعب الادوار الفنية. وابرع فنان اتقن هذا الدور هما محمود المليجي وعادل ادهم.
المسلسل لا تحتاج الى ان تكمل مشاهدة بقية الحلقات. الا طبعا من باب ملء الفراغ وسد اوقات الملل والحجر الكوروني. لان الدهشة مفقودة، وتطور الاحداث متوقع، والنهاية معلومة مسبقا، وثنائية الصراع في المسلسل خير وشر مطروقة كثيرا، والخواتم لا تخفي على اي مشاهد عربي بادنى حد من الذائقة الفنية والدرامية.
وبعد» البرنس» مباشرة يبث مسلسل» ام هارون «. وقد اتسع نطاق الاهتمام بالمسلسل لانه حمل موقفا تطبيعيا مع الكيان الصيهوني من الحلقة الاولى، وقبل بثه ايضا.
المسلسل بالون اختبار سياسي للشعوب الخليجية، ومدى تقبلها للتطبيع مع إسرائيل. المسلسل مسيس. ومحمل برسالة سياسية ثقيلة تطارد كل عبارة وموقف ينطق به الفنانون. والاهم ان المسلسل مليء بالعثرات والاغاليط والاخطاء التاريخية حول الوجود اليهودي في الجزيرة العربية. وطمس حقائق حول الصراع الاسرائيلي- العربي، وتسويغ الرواية اليهودية التوراتية حول الحق التاريخي والوجود في فلسطين والمنطقة العربية.
و بعيدا عن الدراما قليلا، والى نوع اخر من كوميديا انتجتها محطات محلية اردنية، نص هابط واداء مبتذل، تلميح جنسي، وكلام سوقي وتطعيم ونكت سماجة، وكلام فاضح للاخلاق العامة ، وليست نتاجا لثقافة اجتماعية، ولا تعبيرا عن وعي طبقة اجتماعية. وأكثر سؤال يحيط الكوميديا من تمثل في المجتمع الاردني ؟
كل عام يتكرر سجال عن منع ووقف بث هكذا نوع من الكوميديا. ثمة ما يوجب التوقف عنده بحزم ومسؤولية، وذلك حرصا على قيمة الفن وكرامة الإنسان، واحترام ما تبقى من قيم في المجتمع، وهنا لست من حملة مباخر الفضيلة والاخلاق، ولكن هنالك تجاوزات وانتهاكات ممنوعة تحت اي ذريعة واعتبار مهما كان.
الدستور