شهد العالم منذ عقدين على الأقل غزواً معرفي بفضل العولمة وبإبعادها ومنها التطور التكنولوجي والمعرفي مما أصبحت المعرفة ومصادرها في متناول الجميع ومن عدة مصادر وبشكلٍ خاص عبر شبكة الأنترنت والتي شكلت نقطة تحول في البحث عن المعرفة وسهولة الحصول عليها، ومن أبرز مسمياتها نظم المعرفة وتطبيقاتها التكنولوجية المختلفة ، والتي أصبحت من المواضيع الأكثر أهمية من حيث المضمون الفلسفي القائم على جوهر المعرفة في تغيير الفكر البشري وإتجاهاته بالأنتقال من الفكر التقليدي إلى الفكر القائم على الحداثة والانفتاح على العالم والتنوع الفكري والمعرفي وأكتساب تجارب الأخرين للأستفادة منها في جميع مناحي الحياة سعياً لمواكبة كل ما هو جديد وحديث سبيلاً للتطور الفكري والمعرفي في ظل إتجاهات العولمة والتي سادت شتى مناحي الحياة البشرية.
إن عصر المعرفة بإدواته الحديثة والمختلفة قد أصبحت محط أهتمام العديد من المفكرين وأصحاب القرار في القطاعين العام والخاص بإعتباره المخرج الحقيقي للتطور والحداثة والتسابق نحوالتنافسية.ومن هنا بدأت مؤسسات القطاعين بالتفكير جلياً في توظيف المعرفة ومن شتى مصادرها ضمن منظومة تكنولوجية تتمثل بقواعد البيانات لتوفير المعرفة ومشاركة الأخرين بها لتكون البداية نحو إنطلاقة جديدة نحو عالم جديد أساسه النجاح والتفوق والتميز وبعيداً عن الاجتهاد أو الأفكار غير القابلة للتطبيق أو الرؤى قصيرة البصيرة.
ويعُد قطاع التعليم من أهم القطاعات الخدمية الإقتصادية الحيوية في أي مجتمعٍ أو دولة لتمكينه من مواكبة التطور إنطلاقاً من حجم المعرفة والتي من خلالها يتم إثراء وتجويد مدخلات ومخرجات العملية التعليمية والتعلمية للطلبة الملتحقين بكافة برامجها وأعضاء الهيئة التدريسية على حدٍ سواء، والتحول من الفكر التقليدي إلى التعليم في عصر المعرفة والعولمة وتحدياتها والتي فرضت نفسها على مؤسسات التعليم والتعليم الجامعي.
لقد بدأت مؤسسات التعليم والتعليم الجامعي وحسب معرفتي بالعديد من المحاولات المتواضعة بإجراء بعض التعديلات لمكونات الخطط الدراسية، ووصف المساقات، وأساليب التدريس وتطبيقاتها، واليات وضع الامتحانات وطرق تقيميها للطلبة، والتقييم الدوري لأعضاء هيئة التدريس وغيرها من الإجراءات كإستجابة نحو التغيير والتطوير في منظومة التعليم للمحافظة على مكانتها في مصاف المؤسسات التعليمية الأقليمية والعالمية.
أن عصر المعرفة لا يتطلب فقط تعديلاً جزئياً في خطط البرامج الأكاديمية، أو تطوير أعضاء هيئة التدريس بل يتطلب توجهاً إستراتيجياً بالإعتماد على مفهوم الهندرة بإجراء مراجعة وتحديثاً شاملاً لفلسفة الفكر القائم لمنظومة التعليم من حيث الرؤى المستقبلية، والحاكمية، والتوجه نحو التكنولوجية وتطبيقاتها في التعليم، ومراجعة أساليب التدريس، وترسيخ ثقافة التشاركية، ومراجعة البرامج الأكاديمية الحالية ومحاولة تجميد البرامج التقليدية منها، والحرية الأكاديمية المسؤولة، وتبني إستراتيجية التنويع لأعضاء هيئة التدريس ومصادر مؤهلاتهم العلمية، والاحتفاظ بالمؤهلات والخبرات العالية، وحسن الأختيار للقيادات الأكاديمية ذات الآفاق الإبداعية الخلاقة، وحسن الأختيار لأعضاء هيئة التدريس وذلك ضمن معايير قائمة على التميز، والتوجه نحو البحث العلمي التطبيقي والنوعي، وتطبيق معايير الجودة الأكاديمية المحلية والعالمية، وترسيخ ثقافة المعرفة قولاً وعملاً بكافة مفاصل العملية التعليمية وتوجهاتها المستقبلية، وتوفير مصادر المعرفة للجميع، وذلك ضمن أطر إستراتيجية لتمكين مؤسسات التعليم والتعليم الجامعي ، والتفكير خارج الصندوق، والتوجه نحو المعرفة ذات المصادر المفتوحة، والعمل على توفيرها لجميع منتسيبيها بإعتبارها الفرصة الذهبية للتطور والحداثة في التعليم والتي لا تقدر بثمن في ظل التغيرات العالمية في قطاع التعليم تحقيقاً للتميز والاستباقية التنافسية ضمن معايير التصينفات الأكاديمية المحلية والعالمية، وهذا ليس إنتقاصاً من الجهود الكبيرة التي بذلت وما زالت من حاكمية تلك المؤسسات، لكن عصر المعرفة يتطلب المزيد من تظافرالجهود للأرتقاء بمستوى جودة التعليم نحو العالمية. حمى الله الوطن وقيادته الحكيمة وشعبنا من كل مكروه.