أمين محمود يكتب: دردشة تاريخية
د. امين محمود
12-05-2020 08:11 PM
يعزو كثير من المؤرخين تزايد الأنشطة والأفكار المتهودة بين العديد من الشرائح المجتمعية الغربية إلى ظهور حركة الإصلاح الديني في أوروبا في بداية القرن السادس عشر والى الأجواء الدينية التي بدأت تسود في أوروبا الغربية آنذاك.
وقد أصبحت هذه الافكار تشكل جزءا أساسيا من النسيج الثقافي الغربي وأصبحت فلسطين في نظر العديد من الشرائح البروتستانتية أرضًا يهودية واهلها المنتشرون في أوروبا هم الفلسطينيون الحقيقيين الذين يعيشون غرباء عن وطنهم فلسطين بانتظار عودتهم اليها عندما تحين الفرصة الملائمة .
فقد كتب مارتن لوثر عام ١٥٣٣ كتابه المسيح ولد يهوديا أعاد فيه الاعتبار لليهود وأشار فيه إلى انهم هم الأصل وابناء الرب الذن سيتم بعث مملكتهم من جديد على ارض فلسطين.
كما نجد الصهاينة المسيحيين الغربيين ينتعشون في بريطانيا في أعقاب انفصالها عن الكنيسة الكاثوليكية عام ١٥٣٨ وأخذوا يطالبون حكومتهم بالعمل على تنفيذ مهمة البعث اليهودي في أورشليم تمهيدا للعودة الثانية للمسيح المنتظر اليها، حيث يحكم فيها العالم من ارض صهيون ( فلسطين ) طيلة الألف عام التالية لعودته وانتشرت فكرة بعث اسرائيل في أوروبا الغربية بين مختلف الأوساط الفلسفية والأدبية والسياسية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر . وكان في طليعة المفكرين الأوروبيين المتحمسين لفكرة بعث اسرائيل جون لوك وروسو وكانت وملتون
( انظر : Regina Sharif. Non-Jewish Zionism , رضا هلال ،المسيح ونهاية العالم ) .
وقد ساهمت حركة الإصلاح الديني في نمو العديد من الأساطير اليهودية وتغلغلها في الثقافة الغربية، واهم هذه الأساطير أسطورة الشعب المختار التي تشير إلى ان اليهود أمة مفضلة على غيرها من الأمم والشعوب . وأسطورة الميثاق التي تشير إلى الصلة الأبدية التي تربط اليهود بارض فلسطين . أما أسطورة عودة المسيح فقد ولدت لدى المسيحيين الغربيين ( والبروتستانت منهم بالذات ) القناعة بان التشتت اليهودي لا بد وان ينتهي في مرحلة معينة يعود بعدها اليهود إلى فلسطين تمهيدا لعودة المسيح اليها .
وهكذا أخذت الأساطير الصهيونية تلعب دورا هاما في خدمة أهداف السياسة الإمبريالية التوسعية وتم توظيفها لتعمق القناعة الدينية لدى الوساط الشعبية لدعم حكوماتها في سياساتها من اجل بعث الوطن اليهودي في فلسطين . وادي هذا إلى ظهور ما يعرف بصهيونية الأغيار أو الجوييم أو الصهيونية المسيحيةChristian Zionism , التي سبقت الصهيونية (١)اليهودية بفترة طويلة .
ان المنشأ الحقيقي للفكرة الصهيونية تم إعداده وتهيئته فيمحافل الدول الاستعمارية الغربية وخاصة بريطانيا . اذ وجدت الطبقات الرأسمالية الحاكمة في هذه الدول ان توطين اليهود في فلسطين يحقق لها فوائد جمة ويخدم مصالحها الاستعمارية ، وللوصول إلى هذا الهدف كان لا بد للمشاريع الاستيطانية فيما بعد ان تلقى الدعم والتأييد من الأوساط اليهودية نفسها . فجاء تحرك البورجوازية اليهودية بمصالحها المتداخلة مع الرأسمالية الأوروبية ، وكان ان تم عن طريقها تحفيز بسطاء اليهود لقبول فكرة الاستيطان في فلسطين . وهكذا فان التحالف الذي توثقت عراه بين البجراوية اليهودية والرأسمالية الأوروبية مهد الطريق لقيام الحركة الصهيونية ...الجسر الذي افرز الاستيطان اليهودي أولًا ثم الدولة اليهودية ثانيًا .
الصهيونية اسم لحركة سياسية انتشرت بين يهود أوروبا في القرن التاسع عشر وكانت في بدايتها مجرد فكرة تحولت فيما بعد إلى مشروع عمل استيطاني في فلسطين يهدف إلى إنشاء كيان سياسي يهودي افيها . واللفظ مشتق من كلمة تسيون العبرية وهي اسم يطلق على جبل يمتد جنوب غرب القدس
( جبل صهيون ) ويعتبر ملتقى الحجيج اليهودي لاعتقادهم ان الملك داود قد تم دفنه هناك . وكان الصحفي اليهودي النمساوي الأصل ناتان بيرنباوم اول من استعمل تعبير الصهيونية في العصر الحديث ليصف به هذه الحركة السياسية الداعية إلى إنشاء كيان صهيوني على ارض فلسطين (إلياس شوفاني ، المشروع الصهيوني من المجرد إلى الملموس).