عندما يؤشر جلالة الملك الى القطاع الزراعي
د. محمد حسين بريك
12-05-2020 01:09 PM
في الشهور القليلة الماضية اشار جلالة الملك الى اهمية القطاع الزراعي و دوره في دعم الاقتصاد الوطني و خلق فرص عمل، و كانت اخر هذه الاشارات قبل يومين عندما زار جلالته احدى المزارع النموذجية في منطقة الشونة الجنوبية.
المرحلة القادمة من عمر الدولة الاردنية بعد ان تنتصر البشرية على وباء كورونا و التي تترافق ايضا مع مئوية الدولة يجب ان يكون عنوانها الاعتماد على الذات. للاعتماد على الذات معان كثيرة منها ان تغطي ايرادات الدولة نفقاتها و يمكن لهذا ان يتحقق ان زادت معدلات الانتاج وبالتالي التصدير. الصادرات الزراعية الاردنية تعد احدى مكونات السلة التصديرة الاردنية الى جانب غيرها من مكونات هذه السلة كالدواء والخامات المعدنية.
يمكن ان يلعب القطاع الزراعي دورا مهما في معادلة الاعتماد على الذات و مرحلة تعافي الاقتصاد الوطني فيما يعرف بمرحلة ما بعد كورونا. تعظيم الفائدة من القطاع الزراعي يجب ان تترافق مع تغيرات جذرية في الية ادراة هذا القطاع، ففي الوقت الذي يشكل فيه محصول البندورة مشكلة لمزارعينا فهو مصدر غنى عند غيرنا. هذا القطاع تعرض لظلم كبير و من اهم اوجه الظلم الذي تعرض لها هي الية تعيين وزراء الزراعة. اذكر تماما اني عينت في ملاك وزراة الزراعة قبل ما يقرب من عقدين من الزمن في زمن وزير لا اعرف ما هي المقاييس التي اتبعت لتعينه و ليس هو فقط بل غيره الكثير. وزارة الزراعة الان يديرها وزير بالوكالة بعد ان قدم وزير الزراعة السابق استقالته في اثناء ازمة كورونا، هذا لن يستمر لزمن طويل و عليه يجب على رئيس الحكومة اي حكومة ان يضع وصفا دقيقا للاعمال التي يتوجب على وزير الزراعة القيام بها في المرحلة القادمة و ان تتم المفاضلة بين المرشحين بناء على الكفأة و الكفأة فقط.
في دراسة استشارية قدمتها لوزراة البيئة الاردنية قبل عامين بعد ان كلفت بها و كان المطلوب منها تطوير خمس مقترحات ذات علاقة بالاستدامة في الغذاء و الزراعة. مقترحين من اصل خمس كانت حول ما ينادي به جلالة الملك و من بعده الحكومة. في واحد من هذين المقترحين اشرت الى ضرورة التوجه الى زراعة محاصيل جديدة و ركزت على محصول السمسم و الذي بلغت مستورداتنا منه عام 2016 اربعة و عشرون الف طن بقيمة اجمالية بلغت 21 مليون دينار اردني. و في المقترح الثاني اشرت الى تحسين وتوسيع منتجات القيمة المضافة لمحاصيل الزيتون و البندورة كون هذين المحصولين من اهم محاصيل القطاع الزراعي في الاردن.
لزيادة القيمة المضافة في محصولي الزيتون و البندورة اشرت الى ضرورة التحول الى التصنيع الزراعي، ففي محصول الزيتون من الممكن انتاج زيت بنكهات مختلفة (الحار و الثوم الريحان و غيره) و كذلك تصنيع الصلصات التي تضاف الى الغذاء و التي اساسها زيت الزيتون "Olive oil based dressing". و في محصول البندورة اشرت الى انتاج البندورة المجففة و كذلك انتاج معاجين البندورة المختلفة كالكاتشاب.
التحول باتجاه التصنيع الزراعي يجب ان يكون من قبل القطاع الخاص كاتحاد المزارعين و بعيدا عن القطاع العام فما زلنا نعيش قصة فشل مصنع رب البندورة في العارضة، و هنا يمكن ان يكون دور الجهاز الحكومي المساعدة في التمويل بعد اجراء دراسات الجدوى الضرورية و المساعدة ايضا في ايجاد الفرص التصديرية.
تطوير القطاع الزراعي لا يكون بادخال محاصل جديدة و بالتصنيع الزراعي فقط بل هنالك جزئيات اخرى من الممكن ان تلعب دورا في التطوير منها على سبيل المثال عدم التعدي على الاراضي الزراعية لغايات البناء و عدم ترك الاراضي وخصوصا تلك التي يتعدى معدل تساقط الامطار فيها عن 400 مليميتر في العام دون زراعة و هي موجودة و بمساحات كبيرة. مثل هذه الاراضي تصلح لكثير من انواع الزراعات، و انتاجها اما سيقلل من المستورد (اذا ما زرعناها بشجر الجوز مثلا) و اما سيزيد من الصادرات و اما ان يدخل في سلسلة التصنيع الزراعي (لانتاج المربيات).
القطاع الزراعي مهم و مختلف عن غيره من القطاعتات الانتاجية الاخرى و امكانية تطويرة وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي موجودة، فدعونا نبدأ و نحقق ما يجب ان يحققه القطاع الزراعي في معادلة الاعتماد على الذات.