تم الإعلان عن نية الولايات المتحدة سحب عدد من بطاريات باتريوت المخصصة لاعتراض الصواريخ الإيرانية من منطقة الخليج. الولايات المتحدة تصر أن هذا الانسحاب يأتي في ضوء مراجعة روتينية وتقييم لأنواع الأخطار الإستراتيجية الموجودة في الخليج، وأن هذا الانسحاب لا يعني بالمطلق التخلي عن التزام أميركا بأمن دول الخليج أو أمن انسياب النفط من المنطقة الأغنى به في العالم. الانسحاب كما تراه الولايات المتحدة يأتي في ضوء تراجع خطر الصواريخ الإيرانية حيث تعلم إيران أن إطلاقها للصواريخ معناه حرب ليس فقط مع دول الخليج بل مع الولايات المتحدة مباشرة. كما أن صواريخ الباتريوت لم يتم سحبها من منطقة جنوب السعودية المحاذية لليمن التي يستمر الحوثيون بإطلاق صواريخ بعيدة ومتوسطة المدى منها تمدهم فيها إيران. كما تصر الولايات المتحدة أن سحب هذه الصواريخ لا علاقة له بتراجع أسعار النفط وحرب الأسعار النفطية الروسية السعودية التي ألحقت خسائر كبيرة بصناعة النفط الأميركية على نحو غير مسبوق تاريخيا، فهذا أمر اقتصادي يُحل ضمن أدوات التعامل والضغط الاقتصادي بين الدول ولا تتدخل فيه أدوات العمل الإستراتيجي بين أميركا وحلفائها.
التقديرات الإستراتيجية الجديدة تقول إن الطائرات بدون طيار أو الدرونز هي ما تستخدمه إيران الآن لتهديد أمن واستقرار الخليج وليس الصواريخ البالستية سهلة الاعتراض، وإن هذه الأسلحة الجديدة لا يواجهها سلاح بطاريات الباتريوت المخصص لاعتراض الصواريخ البالستية بالجو وقد أثبت جودة عالية بذلك. نوع الخطر الجديد يحتاج لنوع جديد من الردع لم تتضح ماهيته بعد، ولكن بطاريات الباتريوت ليست السلاح الرادع الفعال لمواجهة الخطر الجديد رغم أنها ردعت وحيّدت صواريخ إيران في السابق. خطورة الإعلان الأميركي أنه لم يتضمن طرح البديل عن بطاريات الباتريوت بل ترك ذلك مفتوحا، ما يعطي الانطباع بانكشاف استراتيجي عسكري خطير ستعاني منه دول الخليج، وكأنها الآن ساحة مفتوحة لعبث الدرونز الايرانية دون وجود رادع صارم ومعلن وذي مصداقية.
أيا كانت التقديرات الإستراتيجية الجديدة، فإن سحب بطاريات الباتريوت يرسل برسالة خاطئة لدول الخليج ولإيران. الأصل أن يتزامن السحب مع إعلان عن منظومة ردع جديدة تكون ذات مصداقية تماما كما كان نشر صواريخ الباتريوت في حينه. ما حدث الآن بعد سحب الصواريخ أن الالتزام الأميركي بالردع أصبح كلاميا فقط دون أدوات ردعية صادقة كما فعلت أميركا مع ألمانيا الغربية بمواجهة المعسكر الشرقي أو مع دول الخليج بنشر صواريخ باتريوت. وجود هذه الصواريخ حتى لو تراجعت قيمتها الإستراتيجية يؤكد مصداقية التزام أميركا بأمن دول الخليج أمام الخطر الإيراني. مرة أخرى تقع الولايات المتحدة ضحية سوء تقدير للخطر الإستراتيجي الذي تشكله إيران على المنطقة برمتها، فلا زالت والعالم من خلفها يبتعدون عن مواجهة ردعية حقيقية توقف الثورة الإيرانية في طهران عند حدها، وتوقف لعبة تسخير أذرعها الإقليمية للتلاعب بأمن واستقرار الإقليم ودوله ومصادر الطاقة الكامنة به.
الغد